هل يحظى قرار جعجع ترشيح عون برضى سعودي؟
«القوات» و«التيار»: بين التلاقي «المستحب» والتبنّي المقلق
تهزّ فكرة ترشيح «القوات اللبنانية» للنائب ميشال عون الاوساط السياسية والشعبية. لا يقلل من قوتها اعتبارها هزّة ارتدادية على زلزال ترشيح سليمان فرنجية من قبل «تيار المستقبل» او الرئيس سعد الحريري. أن يرشح سمير جعجع ميشال عون، وبينهما ما بينهما من خلافات وتناقضات استراتيجية، ففي ذلك ما يحيل السياسة والتحالفات في لبنان الى مفاهيم بدائية، انفعالية، تحتاج الى تدقيق على كل المستويات، بما فيها المستويات الاخلاقية.
تدافع اوساط «القوات اللبنانية» عن خيار ترشيحها العماد عون بطريقة توحي بانه حليفها وليس خصمها التاريخي. وفي معرض الدفاع، تسأل اوساطها «لماذا هذا الاستهجان لترشيحنا عون؟ الم يكن تلاقي القوتين المسيحيتين وتصالحهما مطلبا مسيحيا؟ ألم يقف كبار رجال الدين المسيحيين ليطالبوا بطي صفحة الماضي ورص صفوف المسيحيين لتحصين وتحسين مواقعهم وشروطهم؟ اليس هذا ما يردده الناس في مجالسهم؟ الا يحيلون كل مآسي المسيحيين الى الخلافات والانقسامات في ما بينهم؟ الم يقل حتى المسلمون: ليتفق المسيحيون على رئيس ونحن نسير وراءهم؟ ها هما القوتان الابرز في الوسط المسيحي يلتقيان ويتفاهمان، وقد يذهبان الى ابعد من ذلك عبر التوافق على ترشيح احدهما رئيسا قويا لرئاسة الجمهورية».
لا يصعب كثيرا الرد على هذا المنطق. فلا يوجد في الاوساط المسيحية من يعارض تلاقي وتوافق «القوات» و«التيار»، في خطوة تطوي الصراعات العبثية على التفرد بالسلطة، وتقفل لمرة اخيرة نبش القبور، واقعا ومجازا. لكن يفترض كثر من المسيحيين، وبعض اللبنانيين، أن الخلاف بين عون وجعجع يتخطى مراكز النفوذ الداخلية ليطال خيارات استراتيجية تبدأ بشكل الدولة ووجودها في لبنان، وصولا الى التحالفات والخيارات الاقليمية والدولية مرورا بدور لبنان ومسيحييه في محيطهم.
أما أن تنتهي السياسة باستحضار الحساسيات القديمة ما بين زغرتا وبشري، ففي ذلك ما يستدعي التساؤل الفعلي عن المغزى من وجود الاحزاب ودورها ومبادئها.
وفي سياق متصل، تحاول بعض الاوساط «القواتية» التخفيف من وقع ترشيح عون. تقول «ترشيحه لا يعني وصوله.. لكنه يحرج الجميع، الحلفاء قبل الخصوم، ويقلب الطاولة في وجههم. لقد اثبت حلفاؤنا، تحديدا تيار المستقبل، مرة تلو اخرى، انه لا يقيم وزنا لرأينا ودورنا وقراءتنا. لقد أخطأ عشرات المرات، سواء في مراعاة المصلحة الوطنية والميثاقية او لجهة التزامه بموجبات التحالف. وكنا في كل مرة نأخذ الامور في صدرنا معتبرين أننا أم الصبي وانه يكفينا ان يتحول شعار تيار المستقبل الى لبنان اولا لنحاول ان نبني على ذلك دولة ومؤسسات وخيار وطني».
يعتقد «القواتيون» أن»خطيئة الحلفاء بلغت حدا جعلتهم يرشحون حليف بشار الاسد وصديقه الشخصي ووزير داخلية زمن اغتيال رفيق الحريري الى رئاسة الجمهورية. فهل كثير علينا اذا رددنا على الخطيئة بخطأ؟ هذا اذا فعلا كان تيار المستقبل يرى في ترشيح عون خطأ، بعد أن كان أول من فاوضه».
تهمس بعض اوساط «القوات» انه «من حقنا حين يسعى الجميع الى مراعاة مصالحه وتأمين مكتسبات سياسية وحتى سلطوية، أن نفكر بالطريقة نفسها، ونزن الامور بميزان مصالحنا». وفي حين تتحفظ مصادر «القوات» الرسمية على التعليق عما يتم ترويجه من موقف سعودي متفهم لخيار تأييد عون، يتردد في اوساط مقربين من «القوات» ان «السعودية، أقله فريق وازن فيها، اعرب عن ثقته بقراءة القوات لمتطلبات هذه المرحلة السياسية بما يراعي مصلحة لبنان وخياراته الوطنية والاستراتيجية».
لكن تبقى بعض الاسئلة معلقة من دون اجابات حاسمة. منها ما يتعلق بمواقف سائر القوى السياسية وتموضعها. ومنها، مثلا، ماذا اذا رشح جعجع عون ولم يتم تأمين النصاب لانتخابه، وهو ما سيحصل على الارجح؟ هل يقولان للمسيحيين إنه باتفاقنا او اختلافنا لا يقيم لنا احد وزنا؟ اليس في هذا احباط وتيئيس متجدد من السياسة وألاعيبها ولاعبيها؟ ام تراه يكون بابا اخيرا للدخول في لعبة خلط الاوراق وسقوط التحالفات الهشة تمهيدا لانتخاب رئيس يعيد صياغة التحالفات وموازين القوى؟