جنبلاط لـ «المستقبل»: لا أمانع إدارة ذاتية في السويداء
وحده الوقت كفيل بالإجابة عن أسئلة كثيرة ترتبت على اغتيال نظام الإجرام والحقد في دمشق، شيخ «الكرامة» أبو فهد وحيد البلعوس في السويداء، مركز تجمّع أبناء طائفة الموحدين الدروز في سوريا، لكن من المؤكد أن ما قبل الاغتيال لن يكون كما بعده سواء للموحدين أم للنظام على حد سواء، وهو ما عبّر عنه رئيس «اللقاء الديموقراطي« النائب وليد جنبلاط الذي قال لـ«المستقبل»: «لا مانع لدي في إقامة إدارة ذاتية في السويداء لوقف استخدامها من قبل النظام».
ومن أولى ارتدادات الجريمة الحاقدة البيان رقم 1 الذي صدر عن «رجال الكرامة» في السويداء الذي وجّه الاتهام مباشرة إلى زمرة مسؤول الأمن العسكري في المحافظة «المدعو وفيق ناصر وعصابة الأسد»، وشددوا فيه على اعتبار «جبل العرب منطقة محررة من عصابات الأمن ورموزهم، واستمرار عمل المؤسسات العامة بإشراف الإدارة الذاتية المنبثقة عن الهيئة الموقتة لحماية الجبل، واعتماد وضع الجبل تحت بند منطقة آمنة أو منطقة حظر جوي».
فهل يكون إعلان «انسلاخ السويداء عن سوريا النظام» الخطوة الأولى على طريق رسم حدود التقسيم الذي تسير باتجاهه سوريا التي أمعن طاغية دمشق في تفتيتها لحماية كرسي السلطة التي تربع عليها من خلال دماء أبناء الشعب السوري وآخر ضحاياه الشيخ البلعوس ورفاقه؟ أم أن المطالبة بوضع جبل العرب تحت بند منطقة آمنة أو منطقة حظر جوي، سيكون مقدمة لإقامة «كوباني» في جنوب سوريا شبيهة بـ»كوباني» الأكراد في شمال البلاد؟.
واستناداً لمصادر متابعة عن كثب لتطورات الوضع في سوريا عموماً، وفي محافظة السويداء على وجه التحديد، «فلا شك في أن الحماية التي تتمتع بها المناطق الكردية وتحديداً مدينة «كوباني» في شمال سوريا، ليست متوفرة لغاية الآن بالنسبة للسويداء، وما توفره تركيا والولايات المتحدة سياسياً وعسكرياً للأكراد ليس متوافراً للموحدين الدروز في السويداء لغاية اليوم«.
وتضيف المصادر لـ»المستقبل» أنه «إذا كان الأكراد قد نأوا بأنفسهم عن ثورة الشعب السوري ضد نظام الأسد، فإن الشهيد الشيخ «أبو فهد» دفع ثمن محاولة نأي السويداء عن استمرار استخدام الأسد للموحدين وقوداً في حربه ضد أبناء شعبه، ورفضه التورط في فتنة داخلية بين أبناء طائفة الموحدين أولاً، ومع مكونات الشعب السوري المحيطة بالسويداء، أكان في درعا أم في حوران ثانياً«.
وتشدد المصادر على أن المسؤولية الواضحة وضوح الشمس في ارتكاب نظام الأسد الهمجي للمجزرة التي أودت في الرابع من أيلول الجاري بحياة الشيخ أبو فهد وأكثر من أربعين موحداً مسلماً عربياً «لا تحتاج إلى تأويل أكان في الشكل أم في المضمون، فمن حيث الشكل انفجرت سيارة مفخخة استهدفت موكب شيخ الكرامة فأصيب مع مرافقه وبعض المارة، قبل أن تنفجر سيارة ثانية أمام باب المشفى الذي نقل إليه الشيخ الشهيد لضمان مقتله وإيقاع عدد أكبر من الضحايا في صفوف أبناء الطائفة الإسلامية العربية العريقة، وهذا تكرار لعمليات الاغتيال التي ينفّذها نظام الإجرام في دمشق بحق أبناء الشعب السوري حيث يلقي البراميل المتفجرة أو يستهدف الأسواق الشعبية بصواريخه بعيدة المدى، قبل أن يصب جام غضبه على المواقع نفسها بعد تجمهر المسعفين في محاولة لإنقاذ وإسعاف ضحايا البرميل أو الصاروخ الأول«.
وتضيف: «أما في المضمون، فلم يعتد طاغية دمشق على سماع أصوات تناهضه أو تعارض سطوته وقمعه، فعمد منذ وصوله إلى السلطة، ومنذ انتفاضة الشعب السوري المباركة، على إسكات كل صوت تجرأ على المطالبة بأبسط حقوق الإنسان في العيش بحرية وكرامة، والأمثلة على ذلك كثيرة، فكيف بالحري التخلّص من شيخ درزي واحد تمكّن في فترة قصيرة نسبية من إلحاق الأذى بمشروعه القائم على إخضاع محافظة السويداء لجبروته واستخدام أبنائها كدروع بشرية في حربه ضد باقي مكونات الشعب السوري، وفضح نظريته الكاذبة بحماية الأقليات بتحويلهم إلى وقود في حربه المستعرة لضمان بقائه على رأس نظام آيل إلى السقوط حتماً وفي يوم لم يعد بعيداً«.
وفضيحة الفضائح كانت تمثيلية «أبو عدس الدرزي» على ما وصف وليد جنبلاط، المدعو «وافد أبو ترابي» الذي زعمت أجهزة النظام اعتقاله واعترافه بتفجير السيارتين المفخختين في السويداء، وأنه ينتمي إلى «جبهة النصرة»، في محاولة بائسة لدفع الاتهام عنه، وإشعال نار فتنة درزية سنية، كان أبو فهد واعياً لها وبذل حياته في سبيل إبعاد شبحها عن أبناء سوريا الواحدة.
ولمن لا يعرف «ابو ترابي«، فهو من المعارضين السوريين لنظام الأسد، وشارك في جلسات الائتلاف السوري المعارض في تركيا، وكان من أشد المتحمسين لإسقاط نظام الطاغية الدمشقي، واعتقاله على ما زعمت أجهزة النظام، و»تلبيسه» الاعتراف بالجريمة، يعني الحكم عليه بالإعدام ليس لضلوعه في ما لم يكن ليخطر على باله ارتكابه، بل لأنه من المعارضين للأسد وشبيحته.
وكان جنبلاط غرّد فور انتشار خبر اغتيال الشيخ البلعوس «الشيخ وحيد قاد انتفاضة ترفض الخدمة العسكرية في جيش النظام، ورفض أن يكون أهل جبل العرب شركاء في قمع وقتل إخوانهم من الشعب السوري«، مضيفاً: «دقت ساعة الفرز، والتحية، كل التحية لجميع الشهداء والمعتقلين من الشعب السوري الأبي. فلتكن هذه المناسبة مناسبة انتفاضة الجبل، جبل العرب، الجبل السوري الأشم في مواجهة النظام«.
وتابع جنبلاط «اتهمنا النظام السوري باغتيال البلعوس لأنه رفض وجند الآلاف من العرب الدروز الذين كانوا مع النظام ورفض أن يلتحقوا بالنظام في المناطق الأخرى حيث كانوا جنوداً يُستخدمون في مواجهة إخوانهم من الشعب السوري. الشهيد البلعوس بطل من أبطالنا ومن أبطال الثورة السورية. فليكن الفرز بين من هو مع النظام وبين المواطن السوري الحر الذي يريد الحرية والكرامة في مواجهة النظام«، جازماً أنه «ليس هناك من موضوع فتنة درزية- درزية أو غير درزية«.
وأردف: «النظام أساساً هو الذي خلق «داعش« وهو الذي أفرج من سجونه عن رموز «داعش«. هذا النظام يستطيع أن يفعل كل شيء من أجل تدمير وحدة سوريا وقتل الشعب السوري. لن يبقى هذا النظام أياً كانت المساعدات العسكرية والمادية والمعنوية من قبل دول كبرى مثل روسيا التي اليوم يدعي رئيسها أو قيصرها أنه مع التسوية مع معارضة مقبولة. لن يبقى هذا النظام، الشعب السوري سينتصر«.
وشيّع آلاف الموحدين الدروز في السويداء الشهيد البطل ورفيقه الشيخ فادي نعيم وسط مظاهر الحزن والغضب فيما سارت تظاهرة حاشدة تهتف بسقوط «النظام المجرم الحاقد« ورفضها الانجرار إلى فتنة داخلية وسط إطلاق أعيرة من الرصاص، فيما نعى جنبلاط الشيخ البطل وأعلن فتح دار طائفة الموحدين الدروز في فردان لتقبل التعازي يوم الخميس المقبل.
فهل حانت فعلاً ساعة الفرز، وهل سيقود «شيوخ الكرامة» انتفاضتهم باتجاه الانضمام إلى ثورة الشعب السوري ضد نظام الطاغية، أم أنهم بالحد الأدنى سينأون بأنفسهم فعلاً من خلال إعلان الإدارة الذاتية والانسلاخ عن النظام المركزي في دمشق؟