اعتقد الكثيرون ممن تابعوا المواقف والتحركات الروسية خلال الأشهر الماضية، أنها أعادت الحرب الباردة مع الأميركيين والغرب من خلال منطقة الشرق الأوسط، ومن خلال الوضع السوري تحديداً، كما ان الكثير من التحليلات والآراء كانت تشير الى ان روسيا وضعت يدها على بوابة المنطقة العربية مجدداً من خلال سوريا وعادت لاعباً قوياً فيها، لكن ظهر من التدخل العسكري الجوي الروسي خلال الاسبوع الماضي ان هذه الحرب الباردة تحولت ساخنة، وصارت الطائرات الروسية على تماس مع طائرات حلف الأطلسي من خلال التماس مع الطائرات التركية عند الحدود السورية، وفي لواء الاسكندرون السوري الأصل بالتحديد.
ومن دون إغفال السؤال: لماذا تأخرت روسيا أربع سنوات عن دعم النظام السوري دعماً عسكرياً مباشراً، فإن التحرك الروسي العسكري في سوريا ودخول روسيا على خط الأزمات الإقليمية وبعض الأزمات الدولية، لاعباً ومقرراً في كثير من الأحيان، يدل على أن روسيا كسرت الأحادية الأميركية في تقرير مصير عدد كبير من مناطق العالم، بعد الفشل الاميركي في معالجة أزمات هذه المناطق، لا بل إيصالها الى الدمار والفوضى، ولعل مشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، للمرة الاولى بعد سنوات من القطيعة الروسية ومن الهيمنة الاميركية على المنظمة الدولية، دليل ملموس على عودة روسيا الى الملعب الدولي وبقوة.
ولاحظ مشاركون في الوفد اللبناني الذي تابع أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن الوفد الروسي برئاسة بوتين، تحدث بلهجة مختلفة من أعلى منبر دولي، لهجة كانت أشبه بتبليغ قرارات أكثر منها تعبيراً عن مواقف، حتى أن وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف تحدث عن حماية الأقليات المسيحية في المشرق والمنطقة العربية، وفي لبنان بصورة خاصة، بعد التهجير الذي سببته لهم السياسة الأميركية ـ الأوروبية. كما تحدث الوفد الروسي بصراحة عن مصالح حيوية لبلاده في المنطقة العربية، وعن حماية سوريا بنظامها وجيشها، كمدخل لحفظ الاستقرار في لبنان والمنطقة.
وفي بعض التفاصيل عن الموقف الروسي من أوضاع المنطقة، فإن لافروف تحدث عن حلول سياسية لا بد منها تنطلق من سوريا وتصل الى العراق فاليمن وليبيا وتطال لبنان طبعاً، ولم ينسَ الإشارة الى «الخطأ الذي ارتكبته بلاده في ليبيا والذي لن يتكرر»، ما يفسر الاندفاعة الروسية القوية في المنطقة العربية في محاولة لإعادة ترتيب أوضاعها، على نحو ما يفيد الاستراتيجية الروسية ومصالحها، ويعيد التوازن السياسي والعسكري، بدخولها شريكاً مضارباً في أي تسويات إقليمية لاحقاً.
وثمة من يرى ان هناك «قبة باط» اميركية اضطرارية عن الطلعات الروسية الجوية، بعدما كشف الروسي للعالم فشل ما سُمي الحرب الدولية على الارهاب انطلاقا من العراق، والتي ادت الى تمدد الارهاب مساحات اكبر. ويعتقد هؤلاء ان الطلعات الروسية الجوية ستشمل لاحقاً العراق لضرب البنى التحتية لتنظيم «داعش»، والذي لم تؤثر فيه ضربات الائتلاف الدولي.
وبغض النظر عن التفاصيل الميدانية التي تشملها الطلعات الجوية الروسية، فإن العبرة تبقى في النتائج النهائية، التي لا يبدو ان لها أفقاً واضحاً، خاصة إذا ما قررت الدول الداعمة للمسلحين في سوريا مدهم بمزيد من الدعم العسكري واللوجستي لمواجهة التمدد العسكري الروسي في المنطقة، والذي ستستثمره موسكو سياسياً في نهاية المطاف في التسويات التي سيفرضها الوضع الميداني الجديد. فهل يستفيد لبنان باكراً من التحولات التي يفرضها الإيقاع الروسي الجديد؟.