لم تخرج الساحة الداخلية بعد من عملية ردود الفعل التصاعدية المتبادلة بين الثامن والرابع عشر من آذار، والتي رفعت سقف الأزمة الحكومية إلى مجالات تكاد تقترب من الإنهيار الكامل نتيجة الشروط المرفوعة من الطرفين للموافقة على انتظام عمل المؤسسات الدستورية. وقد بدا واضحاً من هذا المسار غير المفاجىء لغالبية القيادات السياسية، أن عملية خلط الأوراق انطلقت لبنانياً على إيقاع معركة الحسم العسكري سورياً في الأيام الماضية، وأن ملامح المرحلة السياسية المقبلة على الساحة الداخلية ترتسم تباعاً من خلال روزنامة الأولويات التي يعلنها أولاً العماد ميشال عون وتقابلها ثانياً طروحات «المستقبل»التصعيدية. وانطلاقا من هذه المستجدات، كشف مصدر ديبلوماسي، وبعد زيارة حديثة الى الولايات المتحدة الأميركية، أن الإدارة الأميركية ترى أن المشهد السوري يقترب من احتمال إنهاء الصراع العسكري بعد الدخول الروسي العسكري على خط هذا الصراع، بعدما حرّك هذا الحسم أكثر من واقع مستقر في المنطقة، فاحتدم التوتر على المحور الإقليمي السعودي – الإيراني وترجم سريعاً على الساحة اللبنانية من خلال تعطيل كل التسويات الداخلية لتطويق الأزمة الحكومية، والتي لعبت جهات غربية دوراً فاعلاً فيها. وقد دفع ذلك بالمأزق السياسي إلى مستوى متقدم من المواجهة، أي من مطالب وشروط سياسية محددة إلى تعديل دستوري يطرح الصلاحيات للمؤسسات الدستورية ،وفي مقدمها صلا حيات الحكومة في مرحلة الشغور الرئاسي.
وإزاء التجاذب الإقليمي الحاد توازياً مع عملية شد الحبال الأميركية – الروسية في المنطقة، ورغم التناغم بينهما في المسألة الأوكرانية، تحدث المصدر الديبلوماسي نفسه، عن أبواب موصدة على صعيد الإستحقاق الرئاسي نتيجة الربط الوثيق بالوضع السوري، علماً أن هذا الأمر قد بات مكرّساً على صعيد الواقع الداخلي، وقد دفع أخيراً ببعض القيادات المحلية الى التساؤل عن جدوى تكرار الدعوة الى جلسات انتخاب رئيس الحمهورية مرات عدة من دون اي نتيجة.واضاف ان الانتقال اليوم من شغور رئاسي الى شغور حكومي ،هو التحدي الاساسي لدى الادارة الاميركية كما لدى العواصم المعنية بوضع لبنان في المنطقة،خصوصا بعدما شعرت ان فريقي 8و14 اذار يحاولان تعزيز اوراقهما قبل التسوية السورية من خلال رفع سقف المطالب والشروط وصولاً الى التلويح بإسقاط الحكومة من قبل الطرفين.
واعتبر المصدر نفسه، أن هذا الأمر يطرح سؤالاً حول ما بعد الحائط المسدود والمصير الداخلي فيما لو تأخّرت هذه التسوية شهوراً عدة. وعلى هذا التساؤل يجيب المصدر أن ملامح التحرك المدني في الشارع التي طبعت الأسابيع الماضية، هي العنوان البديل الذي سيحكم التصعيد السياسي الحالي، وذلك من خلال تحركات شعبية ترفع عناوين الازمات المتراكمة بهدف الضغط المتبادل بين مكوّنات الحكومة التي قد تجتمع في جلسة وداعية لإقفال ثغرة أزمة النفايات، على أن تفتح بعدها الأزمة الفعلية وهي أزمة الصلاحيات التي يتحدث عنها رئيس الحكومة تمام سلام من جهة، والعماد عون من جهة أخرى.
وخلص المصدر الديبلوماسي ذاته، إلى أن الكرة اليوم انتقلت الى طاولة الحوار الوطني، والذي سترسم جلسته المقبلة الصورة الفعلية لما ستكون عليه المعادلة السياسية الداخلية لجهة التصعيد الكلامي والمراوحة في الشارع، في ظل تنامي التحديات الأمنية الإرهابية في المنطقة بفعل تردّدات الصراع المذهبي الإقليمي.