لم يكن تقدم اسم النائب سليمان فرنجيه في السباق الرئاسي، في الأسبوعين الماضيين، حدثاً معزولاً عما سبقه أو ما يمكن أن يتلوه، بقدر ما جاء نتيجة بديهية لمسار الأمور في مسيرة الشغور التي لم تقتصر أضرارها على الموقع الرئاسي الأول وحسب، وإنما أطاحت ـ ذهاباً وإياباً ـ بالسلطتين التشريعية والتنفيذية بحيث بلغ العجز السياسي والمؤسساتي حد عدم القدرة على جمع النفايات من الشوارع.
وإذا كان هذا المستجدّ السياسي أحدث صدمة في صفوف 14 و 8 آذار في آن، فإنّ عودة هادئة إلى سيرة الشغور بما تحقق خلالها وبما يمكن أن يتحقق أيضاً في حال استمرارها، تكفي لفهم خلفيات ما استجدّ. ذلك أن اقتراح اسم فرنجيه لم يتّم في اليوم الأول من الشغور الرئاسي وإنما بعد عام ونصف عام من بدء سريانه، أي بعد نفاد فرصة انتخاب رئيس في أكثر من محطة:
الأولى (خيار التصويت): وهي محطة سادتها المقاطعة، المستمرة حتى اليوم، من جانب كتلتي «الوفاء للمقاومة» و»التغيير والإصلاح»، والتي ترافقت مع «حياد» النائب وليد جنبلاط في السباق الحاصل بين النائب ميشال عون والدكتور سمير جعجع من خلال ترشيحه النائب هنري حلو للرئاسة، بحيث لم يعد لدى أي من فريقي 14 و8 آذار أكثرية النصف زائداً واحداً في البرلمان. ومعنى ذلك أن الخيارات أقفلت أمام وصول رئيس من 14 أو 8 بمعزل عن تسوية.
الثانية (خيار التوافق): وهي المحطة التي انطلق فيها السعي إلى التوافق على رئيس من خارج الاصطفاف القائم بعد انسداد أفق فوز رئيس من 14 أو 8 آذار بسبب ميزان القوى المتعادل بين الفريقين في مجلس النواب. وقد واجه هذه المحطة تحدٍّ ما زال يواجه الاستحقاق حتى اليوم، وهو إعلان «حزب الله» تأييده لترشيح عون (من دون أن يصوّت له في البرلمان) وتمسّكه بهذا الترشيح إلى حدّ دعوة الآخرين إلى مراجعة الجنرال في أي شأن يتعلّق بالاستحقاق، وهو ما أعلنه الحزب في المواقف الإعلامية وما أبلغه إلى وفد تيار «المستقبل» على طاولة الحوار في عين التينة مراراً وتكراراً».
الثالثة (خيار الرئيس القوي): رفع الأقطاب الموارنة الأربعة، أي الرئيس أمين الجميل والنائب عون والنائب فرنجيه والدكتور جعجع، وبرعاية البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، شعار «الرئيس القوي»، وتوافقهم في بكركي على رفض أي مرشّح توافقي والتمسّك بأن يكون الرئيس العتيد «قوياً»، أي من بين الأقطاب الاربعة.
والمعلوم أن كلاً من فريقي 14 و8 آذار تبنّى مرشحاً «قوياً» من الأقطاب الأربعة، الأول تبنّى ترشيح جعجع والثاني ترشيح عون، لكن أحدهما لم يتمكّن من تأمين الأكثرية لفوزه، فيما سعى المرشّح الثالث «القوي»، أي الرئيس الجميل، إلى توفير هذه الأكثرية من دون جدوى، مع الإشارة إلى أن الرئيس سعد الحريري وآخرين من قوى 14 آذار أبلغوا الرئيس الجميّل موافقتهم على تأييده في حال توافرت له الأكثرية لكن من دون نتيجة.
إذاً سقطت خلال العام ونصف العام غالبية الخيارات المتاحة لانتخاب رئيس بدءاً من خيار التصويت (البديهي)، مروراً بخيار التوافق، وصولاً إلى نفاد فرص ثلاثة مرشحّين «أقوياء» من أصل أربعة، ولم يبقَ إلا خيار وحيد هو المرشّح «القوي» الرابع، أي النائب فرنجيه.
طبعاً من المبكر الحكم على نتائج هذا الخيار لأن عمره لم يتعدّ الأسبوعين، أي أنه ما زال في بداية الطريق، لكن متابعي هذا الاستحقاق ـ بما في ذلك رافضي خيار فرنجيه ـ يجمعون على جدّيته باعتباره «الخيار الأخير» من بين الخيارات المشار إليها.
والدليل على جديّته أن أحداً من معارضيه لم يعلن حتى اليوم رفضه له، ولا سيّما منهم من أطلقوا على أنفسهم لقب المرشّحين «الأقوياء»، الذين توافقوا على «حق» كلّ منهم باكتساب هذه الصفة، وبالتالي تمسّكوا بهذا «الحق» بوصفه واحداً من أبرز «حقوق المسيحيين»، فكيف لهم التراجع عن هذا «الواجب»؟
ذلك أن رفض الأقطاب المسلمين لهذا الخيار اليوم، بظروفه وفي ضوء سيرة الشغور المشار إليها، يعني رفضاً لحقّ من «حقوق المسيحيين»، أما رفضه من جانب أقطاب مسيحيين فقد يعني اليوم رفضهم انتخاب رئيس للجمهورية .. لا سمح الله.