يصف البعض – وبينهم رجال اختصاص في الدراسات والأبحاث – السياسات الأميركية المتبعة في العالم بأنها سياسات أقرب الى الحمق والغباء في كثير من الأحيان. غير أن الواقع هو غير ذلك، مع عدم استبعاد اتخاذ قرارات حمقاء من بعض الرؤساء. والنظام الأميركي تمت صياغته بطريقة تضمن حصانة القرارات الاستراتيجية من التهور من خلال المؤسسات والسلطات الثلاث التي تجعل من كل سلطتين رقيبا وكابحا للسلطة الثالثة…
***
هذه السياسات حققت الكثير من المكاسب للولايات المتحدة في العالم على مدى التاريخ، ولكنها منيت أيضا بانتكاسات مريرة. والسبب في ذلك لا يعود الى الحمق والغباء، بل الى وقوع خطأ في الحسابات مصدره غرور الممارسة لغطرسة القوة. والأمثلة من التاريخ الأميركي – وهو تاريخ حديث لا يتجاوز عمره بضع مئات من السنين – حافل بعدد لا يحصى من الأمثلة على ذلك.
***
من مصادر القوة في الولايات المتحدة انها تضع استراتيجيات بعيدة المدى، وتتابعها على مرّ الزمن عهدا بعد عهد سواء أكان الرئيس جمهوريا أو ديموقراطيا، وتطور أساليبها مع المتغيرات الطارئة، الى ان تحقق أهدافها. وأسطع مثال على ذلك استراتيجية مكافحة الشيوعية والعمل على تفكيك الامبراطورية السوفياتية واسقاطها. وهذا ما حدث فعلا بعد نحو سبعين سنة من الصراع.
***
الخطأ في الحسابات هو سرّ النكسات في الاستراتيجية الأميركية. وهي تفترض انه بعد سقوط الخصم فلن تقوم له قائمة! وقد سقط الاتحاد السوفياتي فعلا، ولكن من حلّ محلّه وملأ الفراغ استعاد قدراته ويقف ندّا لأميركا اليوم في العالم، كما يتضح من خلال الدور الروسي بقيادة الرئيس بوتين حاليا. ونرى اليوم دولة متواضعة في امكاناتها بالمقارنة مع الدول العظمى مثل كوريا الشمالية، تتحدّى أميركا صاروخيا ونوويا وهيدروجينيا!
***
أميركا ترتكب خطأ حسابات آخر في الشرق الأوسط، سواء في فلسطين أو لبنان أو سوريا والعراق، أو حتى في الخليج. وهي سياسة أميركية خاطئة بصفة عامة في نظرتها الى العرب ككل، متأثرة بالرؤية الاسرائيلية والصهيونية، وهي نظرة عنصرية في الأصل. وليس من المتوقع أن تصحح أميركا سياستها بنفسها لأن هذا الأمر مطلوب من العرب أنفسهم، بما لديهم من موقع وقدرات وطاقات، اذا توحّدت، لجعلت منهم قوى عظمى في العالم.