Site icon IMLebanon

من اختار “الرئيس الاسير” خلفا لـ “الرئيس الشهيد”؟

 

 

لم ينزل خبر انتخاب يحيى ابراهيم حسن السنوار رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس بعد ايام على اغتيال اسماعيل هنية على معظم الاوساط الفلسطينية والاقليمية والدولية بالمعايير عينها. فقد اختلفت ردات الفعل الى حدود التناقض، ذلك ان انتخاب “الرئيس الاسير” داخل قطاع غزة خلفا لـ “الرئيس الشهيد” اخضع القرار لمجموعة من القراءات اثر انهيار مجموعة من السيناريوهات الايجابية، التي ايقظ تراجعها فيما بعد مجموعة اخرى سلبية. وهذه هي المؤشرات.

عندما أعلنت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” عند التاسعة من مساء أول أمس الثلثاء على قنوات التواصل الاجتماعي التابعة لها عن اختيار “القائد يحيى السنوار” رئيساً للمكتب السياسي للحركة خلفاً لـ “القائد الشهيد” إسماعيل هنية، تريثت بعض المراجع السياسية والديبلوماسية في انتظار التثبت من صحة الخبر ودقته بعدما تعددت السيناريوهات التي تحاكي هذه الخلافة اثر اسبوع على اغتيال هنية في طهران. وتلاحقت الاتصالات العاجلة بمن يمكن التواصل معهم من قيادات الحركة والموجودين خصوصا باكثريتهم في قطر. فلم يصدق كثر ان الخبر صحيح ودقيق ولا يحتمل اي التباس وخصوصا ان بعض قادة الحركة المرشحين للخلافة كانوا قد تلقوا سلسلة من الأتصالات للتشاور في شأن حظوظهم على رغم من ان اللائحة المتداولة كانت لم تتجاوز بمحتواها الأسماء الثلاثة، فيما استبعد رابع نتيجة ما سمي “الفيتو” المستحق لدى قيادة الداخل الفلسطيني ولم يأت اي منها باسم السنوار.

 

ففي موازاة النقاش الدائر منذ لحظة انتهاء مراسم دفن هنية في الدوحة بين أعضاء المكتب السياسي وهيئة مجلس الشورى في الحركة كانت كل التقارير – التي اعتبرت على جانب عال من الصدقية – تتوقع انتخاب نائب رئيس الحركة في قطاع غزة الدكتور خليل الحية رئيسا لها، وتردد ايضا أن من بين المرشحين للخلافة كلا من عضوي المكتب السياسي موسى ابو مرزوق وخالد مشعل الذي شغل المنصب عينه قبل هنية. وقد تراجعت هذه التقديرات امام ما انتهت اليه عملية اختيار السنوار على رغم من وجوده “اسيرا” في شكل من الاشكال، ولا يمتلك حرية الحركة والتواصل مع القيادات الاخرى في حماس وحلفائها ومعهم جميع الوسطاء الإقليميين والدوليين.

 

وعلى عكس كل التوقعات، فان ما جرى أول امس انتهى بطريقة ضمنت اسقاط كل الترشيحات الأخرى لملء المقعد الشاغر منذ أسبوع تقريبا. كذلك سقطت مساعي بعض الجهات التي حاولت تسويق أسماء اخرى بينها من سمتهم بعض العواصم العربية والغربية المؤثرة في عمل الحركة وتمويلها، وتوفير الدعم السياسي لها. وهي استظلت راية الاستشارات الموسعة التي جرت وشارك فيها قادة كبار الى جانب رؤساء مكاتبها وممثليها في دول العالمين العربي والإسلامي من الذين التقوا في مراسم الدفن في الدوحة او كانوا في العواصم العربية.

 

على هذه الخلفيات، كشفت مصادر فلسطينية وعربية عن مجموعة من السيناريوهات والتسريبات التي تم تداولها في الساعات التي تلت اختيار السنوار، وهي اجمعت على القول ان تسمية السنوار حظيت باجماع غيرمسبوق لدى من يشكلون الهيئة الناخبة ومن ضمن الاصول المعتمدة لدى مؤسسات الحركة. فهي سبق لها ان مارست أدوارها ومسؤولياتها في مناسبات تقليدية، واخرى طارئة واستثنائية بعدما تعددت الاغتيالات التي استهدفت قادتها. ومن بين ما تسرب أوحى بنوع من الايجابية عند القول ان السنوار لم يعد في قطاع غزة وربما انتقل في الايام الاخيرة الى خارجه. وان قيل في اللحظات الاولى أنه بات في مكان ما على الأراضي المصرية وقيل انه وصل سرا الى الدوحة وليس الى انقرة كما قالت رواية اخرى.

 

وبعد ساعات قليلة تهاوت هذه التسريبات وتم نفيها نهائيا على السنة اكثرية مسؤولي الحركة في لبنان والخارج وفي أكثر من عاصمة، مؤكدين أنه ما يزال “مرابطا” في قطاع غزة ويتحمل كل المسؤوليات الملقاة على كاهله منذ اللحظة الأولى لعملية “طوفان الاقصى”. فهو من مهندسيها وقادتها الى جانب مجموعة من “رفاقه الاوفياء” حسب قول أحد مسؤولي الحركة من الدوحة.

 

وعليه وبسقوط هذا السيناريو الذي كاد يقود المفاوضات الى درجة عالية من الايجابية، لمجرد انه انتهى الى انقاذ السنوار من ان يكون هدفا للعمليات العسكرية الاسرائيلية وانتقل بسرعة الى رحاب “العمل السياسي” من موقع “القائد العسكري الميداني” الذي يتحرك في مساحات واسعة تحت الارض، وهي لا زالت تتيح له التنقل بين مختلف مدن القطاع ومخيماته وربما سهلت انتقاله الى خارجه. كما تم الربط بنحو متواز بين هذه الاحتمالات ووجود مساع عربية وغربية أدت إلى “صفقة دولية كبرى” اخرجت اكبر القادة من القطاع. وربما بات التوصل الى وقف لاطلاق النار ممكنا لمجرد وقف البحث عنه وعن رفاقه القادة المطلوبين احياء او امواتا. وعندها يمكن الإنتقال الى استئناف البحث الجدي في الأفكار التي تحاكي “اليوم التالي” لوقف الحرب.

 

والى هذه المعطيات كافة، ثمة من قرأ انتخاب السنوار بنحو مختلف، وهو انتهى الى انتصار المتشددين في الداخل الفلسطيني وخارجه، كما في المواجهة المفتوحة منذ عشرة أشهر مع العدو الاسرائيلي. وهو أمر ليس من السهل حسمه منذ اليوم. وعلى من يبحث لتاكيد هذه النظرية ان ينتظر أياما على الاقل للتمييز بين المنتصر والخاسر من هذه الخطوة المفاجئة. ذلك ان اختيار “الرئيس الأسير” خلفا لـ “الرئيس الشهيد” يفتح الافاق على نقاش من نوع آخر. وقد يكون من وجوهه السلبية ما يقود الى اشتعال الخلافات الفلسطينية الداخلية وخصوصا بين الحركة والسلطة التي لم تحتفل بعد بوثيقة بكين “للمصالحة والتفاهم الوطني” بينهما. فالفلسطينيين المعادين لـ “حماس”، ومن بينهم قادة لم يتراجعوا بعد عن تحميل “القائد الجديد” مسؤولية ما جرى في القطاع. وعلى رغم من كل ما حصل لم يغيروا وصف عملية “طوفان الاقصى” بالخطأ الاستراتيجي الكبير الذي لا يمكن للشعب الفلسطيني ان يتحمل تبعاته على قاعدة “لو كنت اعلم” التي نسبت الى السنوار في الأيام الاولى للعدوان. بالنظر الى ما اعطاه من ذريعة انتظرتها اسرائيل طويلا لتفريغ القطاع من سكانه وتهجيرهم أو تدميره على الأقل بطريقة يستحيل فيها الحديث عن دولة فلسطينية من ضمن “حل الدولتين”.

 

والى ان تظهر النظرية المعاكسة، فان من بين القادة الفلسطينيين من يتحدث عن استحالة ان يلعب السنوار دور هنية في التهدئة. وان انتخابه سيقود الى مواجهة اكبر واقسى مع العدو الاسرائيلي الى درجة يمكن ان يؤلب الرأي العام الذي استعادته المقاومة الفلسطينية نتيجة المجازر الإسرائيلية التي ادانتها محكمتا الجنائية والعدل الدوليتين في اتجاهات نقيضة تقطع الأمل في إمكان التوصل الى اي ترتيب يؤدي الى خفض التوتر في مرحلة تصاعدت فيها التوجهات نحو “الحرب الشاملة” التي باتت رهن الرد الايراني واليمني ومن لبنان والعراق وما يمكن ان تقود اليه في شكلها وتوقيتها والنتائج المترتبة عليها.

والى تلك اللحظة ستتعدد الروايات المتناقضة الى ان ترسو على واحدة ما زالت غامضة. ومن الصعب تقديرها فليس واضحا حتى اللحظة من دفع في اتجاه اختيار السنوار، وانه ليس من عادة اي طرف من طرفي النزاع ان يبوح باهدافه غير المعلنة إلى ان تتكشف الخطوات التي يمكن ان تغير من مجرى الاحداث الى اجل غير محدد.