كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن رسائل بعثها قائد “حماس” في غزة يحيى السنوار لقادة الحركة السياسيين والوسطاء… اعتبر فيها أنّ الخسائر بين صفوف المدنيين “تضحية ضرورية”، ستزيد الضغط على إسرائيل عالمياً، وأنّ مصير رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في هذه الحرب سيكون أسوأ من الهزيمة.
وبحسب الصحيفة الاميركية، فإنّ هدف السنوار هو التوصّل لوقف دائم لإطلاق النار يسمح لـ”حماس” بإعلان النصر أمام إسرائيل. هذا يعني ان رهان السنوار، منذ البداية، كان على كسب التعاطف الدولي ليتم ذكر اسم حركة حماس في قرار مجلس الأمن، ويكون لها دور على طاولة المفاوضات.
لكنّ الصحيفة أغفلت عن سابق تصوّر وتصميم، ان الثمن الذي دفعه الشعب الفلسطيني ولا يزال، ليس فقط منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، تاريخ بدء عملية “طوفان الأقصى”، لكن ما دفعه الفلسطينيون منذ 75 عاماً لا يمكن تصوّره، منذ مجازر دير ياسين ومذابح صبرا وشاتيلا والانتفاضة الأولى.
إنّ حركة حماس هي حركة تحرّر وطني، وإنّ ما يقوم به الاحتلال هو القتل والإجرام ومحاولة إبادة الشعب الفلسطيني في غزة.
السنوار -هذا القائد المحنّك- يعرف تماماً أنّ بنيامين نتانياهو قد يوقف إطلاق النار، لكنه لن ينهي الحرب والجرائم، وذلك لتحقيق أهدافه الخاصة، وهو ما باتت الأطراف الدولية المختلفة تدركه، وهذا ما ساهم بعملية تغيير مواقف عدد كبير من الدول في العالم من إسرائيل، وهو ما دفع طلب الجامعات داخل الولايات المتحدة الأميركية وخارجها في بلدان أوروبية عدّة الى التصعيد، واعتبار إسرائيل دولة غاصبة ومعتدية ومجرمة بحق الشعب الفلسطيني البريء.
إنّ قائد “حماس” في غزة يحيى السنوار، يدرك تماماً ما يريد..
فهو قال في أحدث رسالة وجهها الى مسؤولي “حماس” المنخرطين في مفاوضات مع المسؤولين القطريين والمصريين، بشأن التوصّل الى اتفاق لوقف إطلاق النار، والإفراج عن الرهائن: “لدينا الاسرائيليون حيث نريدهم”. في إشارة الى الضغط على إسرائيل.
إنّ أحداً، مهما كانت درجة تفاؤله لم يكن يتصوّر أبداً ان عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، سينتج عنها كل هذه التداعيات الايجابية:
أولاً: كان البعض يعتقد أنّ العملية ستنتهي خلال أيام أو أسابيع على أبعد تقدير… لكن العملية استمرت باندفاع قوي، وها هي ذي في شهرها التاسع، ولا يبدو أنّ نتانياهو قادر على تحقيق أي من أهدافه المعلنة، وحتى المضمرة.
ثانياً: كانت إسرائيل، وفي حروبها السابقة كلها ضد العرب، تعتمد على نصر تحققه في أيام قلائل… إذ تفاجئ العرب والدول المستهدفة بطيرانها وهجومها المباغت فتحصد نتيجة ما أقدمت عليه سريعاً، لكنها بعد عملية “طوفان الأقصى”، وجدت نفسها غارقة “في أرض موحلة” ورمال متحركة يصعب عليها التخلص منها… حتى ان الكثيرين باتوا يعتقدون ان نهاية إسرائيل باتت حتمية.
ثالثاً: الصمود التاريخي لأبناء الشعب الفلسطيني في القطاع، ورغم الدمار الذي شمل أكثر من %80 من مباني ومنازل أهالي غزة، وإزالة البنى التحتية بالكامل، وهدم المدارس والجامعات ودُوَر العبادة… كل هذا لم يزد الشعب الفلسطيني البطل إلاّ إصراراً وعناداً وتمسّكاً بأرضه رغم كل محاولات التهجير… وليت نتانياهو استمع الى صرخة الطفلة ابنة الـ8 سنوات، التي وجهت إليه أقسى عبارات، فقالت: حسبي الله ونعم الوكيل.. نحن صامدون… لقد قتلتم أهلي ورفاقي وأطفال شعبي… وها أنذا أقول لك: سنموت وندفن في هذه الأرض ولن نتركها… وسيأتي غيرنا من الأطفال لإكمال المسيرة فالنصر لنا… والهزيمة لك أيها المجرم القاتل.
رابعاً: كل متابعي عملية “طوفان الأقصى”، يتعجبون من قدرات المقاتل الفلسطيني الذي يخرج من تحت الأرض، فينسف دبابات العدو بصواريخ “الياسين” التي تحوّل الدبابة ومن فيها الى رماد. والدليل على صلابة وقوة أبطال “طوفان الأقصى” ما أعلنوه أمس في تحدّ لنتانياهو من انهم لا يعلمون عدد الأسرى الذين قتلوا حتى الآن.
خامساً: إنّ ما قام به حزب الله في الجنوب اللبناني، وما حققه من بطولات في جبهة المساندة، لقن الاسرائيليين دروساً لم يعهدوها من قبل.. لقد شلّت المقاومة الاسلامية قوة “طيران العدو” وأجبرته على الانكفاء، ما غيّر وبدّل مفاهيم عملية التوازن، وأحدث قوة ردع لم تعرفها إسرائيل من قبل…
باختصار، المقاومة الفلسطينية الباسلة، والقائد التاريخي البطل يحيى السنوار على دراية تامة بكل هذه التفاصيل. والسنوار يعرف كيف يتعامل مع عدوّ مجرم قاتل مغتصب… من هنا أقول: إنّ السنوار يعرف الى أين نتجه، ويعرف أيضاً وأيضاً، ان النصر حليف المؤمن الصادق الواثق بقدراته، وبأنّ الله لن يتخلّى عن عباده المؤمنين.
السنوار… يعرف أين يضع “قدمه” وكيف يخطو… وكيف ينتصر المؤمنون..
إنّ عملية “طوفان الأقصى” -بالتأكيد- ستكون مفصلاً أساسياً، أعاد القضية الفلسطينية المحقة الى الواجهة، ولن يكون هناك وقف موقت لإطلاق النار… وإنما اعتراف كامل بالحقوق الفلسطينية، وبأنه لا حل إلاّ بوجود دولة فلسطينية ذات سيادة، عاصمتها القدس، شاء من شاء وأبى من أبى… والأيام المقبلة ستكون شاهدة على ما أقول.
إنّ ما قامت به إسرائيل من أعمال إبادة وهمجية فاقت كل التصوّرات، جعلت أطفال فلسطين، كل الأطفال.. أمس واليوم وغداً يحيى السنوار… وشحنت قلوب الفلسطينيين اعتزازاً بالسنوار وبقادة “حماس”.
همجية إسرائيل فشلت في إخافة الفلسطينيين، بل هي زادتهم قوة وبأساً وتصميماً وإرادة وعزيمة.