Site icon IMLebanon

السنوار يدخل التاريخ

 

 

 

الشاشات كلها، كانت مساء البارحة تتناقل خبر تنصيب يحيى السنوار، خليفة وقائدا; خليفة للشهيد المغدور في طهران، إسماعيل هنية، وقائدا بالإجماع ودون منازع لحركة حماس.

جميع الصحف العربية والعالمية، كانت اليوم ذات «مانشيت» واحدة: يحيى السنوار: قائدا ورئيسا لحماس. جميع وكالات الأنباء، تناقلت الخبر. تناقلت الإسم المثير للجدل، إسم بطل السابع من أكتوبر يحيى السنوار، وتقرن الهدنة وكل أشكال الحرب على جبهات الإسناد، تقرن وقف النار، ومفاوضات الأسرى الإسرائيليين، بإسم محطّم جدار الفصل العنصري، جدار الكراهية، جدار قلعة بني صهيون، مهشّم أنف الهيبة الإسرائيلية، ومحطّم أسوارها وأصنامها: يحيى السنوار.

 

سيكتب التاريخ، أنه في يوم السابع من أغسطس/ آب العام 2024، إنبلج الفجر من جديد في غزة والقطاع، قبل أن يكتمل مرور عام، على النصر الأول، على النصر المؤزر: بتحطيم صورة إسرائيل، القلعة والحصن، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

السابع من أغسطس/ آب، إنتزع يحيى السنوار النصر الثاني، إنتزع نصره، وهو بعد في أنفاق غزة المعتمة، لم يخرج إلى النور، بعد إستشهاد القائدين التاريخيين لحماس: إسماعيل هنية ومحمد الضيف، والقائد المظفر للحزب في لبنان بحرب تموز: المجاهد محمود فؤاد شكر (السيد محسن).

يذكّرنا ليل إغتيلات هؤلاء القادة الأبطال، بإغتيال رجال المقاومة الفلسطينية الثلاثة، سابقا، في ليل فردان ببيروت: محمد يوسف النجار، وكمال ناصر وكمال عدوان. وقد خلّدهم الشاعر الفلسطيني محمد يوسف الخطيب، فقال فيهم:

 

«الليلة ينبع من دمهم نهر الأردن/ ثلاثة أثلاث في جمع أحد».

وضعت حماس رأسها في رأس إسرائيل مرة ثانية، وهي تقول لها بالفم الملآن «لا عطر بعد عروس»، السنوار، ثم السنوار، وإلّا الحرب والقتال بيننا، حتى آخر قطرة دم. ولا يهمّنا «التهديد بالركبة»، ولا يهمّنا أيضا، تغطية المجازر بالمجازر، والإغتيالات بمزيد من الإغتيالات، ولا الحرائق بمزيد من الحرائق.. ولا يهمّنا الجلاء عن الشمال، ولا يهمّنا فرار الجند، ولا يهمّنا عويل أهالي المخطوفين، ولا يهمّنا هلع السياح والزائرين والمستجمين والمصطافين: يحيى السنوار، أو الحرب بيننا وبينكم، إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين.. حسمت أمرها غزة.. حسمت أمرها حماس.

«اليوم تنتقم العذارى لنفسها»، يقول الشاعر نزار قباني، ولم يعد لحماس ما تساوم عليه، لا في غزة، ولا في خارج قطاع غزة، ولا في دول الإقليم والجوار، ولا في العالم كله.. «فغزة لا تبيع البرتقال، لأنه دمها المعلّب»، يقول محمود درويش، ولم يعد هناك من يثنيها، عن السير في معركتها، حتى آخر نبض في بدنها. غزة، هي السنوار اليوم، والسنوار هو غزة، لا تخذله ولا يخذلها. ولهذا ترى إرادة التنصيب في حضرة الغياب، هي الأقوى، لذلك ترى السنوار، في حضرة الغياب، أعظم الرجال عندها، أعظم القادة وأعظم الرؤساء عندها، حين افتدته وافتداها.

الحرب على غزة، بعد الثامن من أغسطس/ آب، صارت رأسا برأس، بين السنوار ونتنياهو. ينزلان اليوم إلى الساحة، وخلفهما تحتشد الدول، وتحتشد الأقوام. ولم تعد الساحة تتسع لغيرهما، تضيق الساحة شيئا فشيئا عن الجميع، إلّا لهما. فهي تتسع وتشتد ولو هي ستمتد وتمتد. ويبدو السنوار في حضرة الغياب، هو الأقوى، على إسرائيل، وعلى نتنياهو نفسه، بدون عجلة، وبلا تأخير…

هكذا حاصر القائد المجاهد، والرئيس المجلّي، يحيى السنوار عدوه. قال له إسماعيل هنية، قبيل استشهاده، وهو في الذروة من متابعة عمله الجهادي، تحت الأرض، وفي داخل عتمة الأنفاق، يدير عمليات حرب غزة الضروس مع العدو الصهيوني اللئيم:

«حاصر حصارك لا مفر.. وإضرب عدوك بي../ فأنت اليوم حر/ حر وحر وحر..» ( محمود درويش – أحمد الزعتر).

يحيى السنوار يُشيد قلعته اليوم، يحصّنها، في عتمة أنفاق غزة. ينزل إلى عدوه الأول نتنياهو، هذه المرة، وجها لوجه، وبين يديه وفضة حرب ولواء، كواحد من العماليق، الذين تصنعهم الأساطير الخالدة، بل حكايات الأقدمين. يسجل النصر على خصمه، بعد أسبوع العزاء، ويدعوه أن يرتد عن غزة، بل أن يخرج منها على الفور صاغرا، وإلّا الحرب بينهما، إلى يوم الدين.

جعل السنوار الكرة في يد نتنياهو، ثم غاب في عتمة أنفاق غزة، يحضّر درسا لنتنياهو لا ينساه، في برهة الإنتخابات الإسرائيلية القادمة، وهو يجندله، يلقيه جثة على الأرض، يخرج من الإنتخابات مهزوما، تلاحقه اللعنات من أهالي الأسرى الإسرائيليين، ومن أمهات الأطفال الثكالى والأيامى، ومن أهالي المجندين الذي أخذهم عنوة إلى الحرب، الذين خذلهم، وخدعهم، حين قال لهم، أنهم ذاهبون في مجرد نزهة، لتسوية غزة بالأرض.

ها هي اليوم غزة تنتفض من جديد، تثأر لكرامتها، تتجدد بالسنوار، ويتجدد السنوار دما وكرامة وعنفوانا بها. لا شيء يشفع لنتنياهو بعد الثامن من أغسطس/ آب، إلّا أن يراه السنوار مجندلا على الأرض.

يحيى السنوار، يدخل التاريخ مرة ثانية في السابع من أغسطس/آب 2024، بعد أن كان قد دخل التاريخ في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وقديما قيل:

«واجه رأس السيل، رأسا تصدعه».