بن هابارد- نيويورك تايمز
صعد يحيى السنوار في صفوف الجماعة الفلسطينية المسلحة لتخطيط الهجوم الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل. يحيى السنوار، الزعيم الفلسطيني المسلّح الذي خرج من سجن دام عقدَين في إسرائيل، ليصعد إلى قمة قيادة «حماس» ويساعد في تخطيط الهجوم الأكثر دموية على إسرائيل في تاريخها، توفَّي أمس الخميس. كان في أوائل الستينات من عمره.
كان السنوار، الذي شغل منذ آب المنصب السياسي الأعلى في «حماس»، معروفاً بين مؤيّديه وأعدائه على حَدٍّ سواء بجمعه بين الحيلة والوحشية. بنى قدرة «حماس» على إلحاق الضرر بإسرائيل في خدمة هدف الجماعة طويل الأمد المتمثّل في تدمير الدولة اليهودية وبناء دولة فلسطينية إسلامية على أنقاضها.
لعب دوراً مركزياً في التخطيط للهجوم المفاجئ على جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول 2023، والذي أسفر عن مقتل حوالى 1200 شخص، وإعادة 250 شخصاً آخرين إلى غزة كرهائن، ممّا وضعه على قمّة قائمة الاغتيالات الإسرائيلية.
وتعهّد القادة الإسرائيليّون بمطاردته، وألقت القوات العسكرية منشورات فوق غزة تعرض مكافأة بقيمة 400,000 دولار مقابل معلومات حول مكان وجوده.
لكن لأكثر من عام، ظلّ متوارياً عن الأنظار، ونجا في الأنفاق التي حفرتها «حماس» تحت غزة، على الرغم من أنّ إسرائيل قتلت العديد من مقاتليه ومعاونيه.
إرث السنوار بين الفلسطينيِّين معقّد. فقد بنى قوة قادرة على ضرب الجيش الأكثر تطوّراً في الشرق الأوسط على الرغم من الحصار الإسرائيلي المصري المُشدَّد على غزة. لكنّ هجوم 7 أكتوبر دفع إسرائيل إلى التعهّد ليس فقط بإنهاء حكم «حماس» الذي استمر 17 عاماً على غزة، بل بتدمير الجماعة تماماً.
كما رفع الهجوم من مكانة «حماس» في الضفة الغربية المحتلة من قِبل إسرائيل وفي أماكن أخرى من العالم العربي، وفقاً للاستطلاعات، لكن ليس بين الغزيِّين، الذين عانت حياتهم ومنازلهم من وطأة الغزو الإسرائيلي اللاحق.
وعلى الرغم من أنّه نجح في إعادة القضية الفلسطينية إلى دائرة الضوء العالمية، إلّا أنّه فشل في تقريب شعبه من الاستقلال أو إقامة الدولة – وبثمن باهظ على أولئك الذين زعم أنّه يريد تحريرهم. فقد دمّرت إسرائيل معظم غزة رداً على هجوم «حماس»، وقُتل أكثر من 42,000 فلسطيني وفقاً للسلطات الصحية في غزة.
وعندما انتشر خبر وفاته في غزة، احتفل كثير من الناس. وأكّد محمد، شاب يبلغ من العمر 22 عاماً كان قد نزح مرات عدة خلال الحرب، إنّه يُلقي باللوم على السنوار في الجوع والبطالة والتشرّد الذي سبّبه الصراع.
وأضاف محمد، الذي تحدّث بشرط عدم الكشف عن هويّته خوفاً من انتقام أعضاء «حماس»: «لقد أذلّنا، وبدأ الحرب، وشتّتنا وجعلنا مشرّدين، بلا ماء أو طعام أو مال. هو الذي جعل إسرائيل تفعل هذا»، واصفاً نبأ وفاة السنوار بأنّه «أفضل يوم في حياتي».
بصفته زعيماً لحماس في غزة من عام 2017 إلى 2024، أعاد السنوار بهدوء إحياء علاقة الجماعة بإيران، الراعية القديمة، وساعد «حماس» في تطوير القدرة على التفوّق على دفاعات إسرائيل. وبينما كان يُعِدّ سراً لحرب كبيرة مع إسرائيل، أوحى لإسرائيل بأنّه يُريد العكس: ليس السلام بالضبط، لكن على الأقل بعض الهدوء.
قضى العديد في مؤسسة الأمن الإسرائيلية السنوات التي سبقت الحرب في التركيز على تهديدات أخرى، وافترضوا أنّ غزة كانت تحت السيطرة، وفقاً لبعض المقابلات التي أجرِيَت بعد اندلاع الحرب.
تأثّرت حياة السنوار بشكل عميق بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. فقد وُلِد في عام 1962 في خان يونس بجنوب قطاع غزة، وهي منطقة مكتظة بالسكان وفقيرة على الساحل المتوسطي، تحُدّ إسرائيل ومصر.
لم تكن هناك معلومات متاحة على الفور حول والدَيه، لكن مثل معظم سكان غزة، كان أفراد أسرته مسجّلين كلاجئين فلسطينيِّين. هُم أو أسلافهم فرّوا أو طُرِدوا من منازلهم في الحرب المحيطة بإنشاء إسرائيل في عام 1948 وكانوا يتوقون إلى العودة.
درس السنوار اللغة العربية في الجامعة الإسلامية في غزة، وانخرط في السياسة الإسلامية. في بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى ضدّ احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة عام 1987، أسّس الإسلاميّون الفلسطينيّون «حماس»، التي تعهّدت بتدمير إسرائيل واستبدالها بدولة فلسطينية. وصنّفت إسرائيل والولايات المتحدة ودول أخرى السنوار كـ»إرهابي» و»حماس» كـ»منظمة إرهابية».
كان السنوار، أحد أوائل أعضاء «حماس»، يقود مجموعة مكلّفة بمعاقبة الفلسطينيِّين المتهمين بالتجسُّس لصالح إسرائيل، غالباً بالإعدام. نفّذ المهمّة بوحشية كبيرة لدرجة أنّه حصل على لقب «جزّار خان يونس».
في عام 1988، اعتقلت إسرائيل السنوار وحاكمته لاحقاً بتهمة قتل أربعة فلسطينيِّين يُشتبَه في تعاونهم مع إسرائيل. وأمضى أكثر من عقدَين في السجون الإسرائيلية، وهي تجربة أقرّ في ما بعد إنّها سمحت له بدراسة عدوه.
وكشف في عام 2011: «أرادوا أن يكون السجن قبراً لنا – طاحونة لطحن إرادتنا وتصميمنا وأجسادنا. لكن، الحمد لله، بإيماننا بقضيّتنا، حوّلنا السجن إلى محاريب للعبادة وأكاديميات للدراسة».
تعلّم العبرية، وقرأ كثيراً عن تاريخ المجتمع الإسرائيلي، وأصبح قائداً في السجن، وشارك في مفاوضات بين السجناء وسجّانيهم.
تذكّر سفيان أبو زيد، الذي التقى السنوار في السجن في أواخر الثمانينات وعمل لاحقاً كوزير في السلطة الفلسطينية، قائلاً: «لا شك أنّه عنيد ومفاوض جيد».
على مَرّ السنين، فاتت إسرائيل عدة فرص لإبعاد السنوار عن ساحة المعركة – أو القضاء عليه تماماً.
خلال فترة سجنه، تعرّف يوفال بيتون، طبيب أسنان السجن، على السنوار وعرف عن جهوده المستمرة لمعاقبة الفلسطينيِّين الذين يُشتبَه في تعاونهم مع إسرائيل، وفقاً لما كشفه بيتون لصحيفة «التايمز» في عام 2024.
في عام 2004، أصيب السنوار بألم في مؤخّرة رقبته، وأخبره الدكتور بيتون أنّه يحتاج إلى علاج طبي عاجل. أزال الأطباء ورماً دماغياً عدوانياً كان يمكن أن يقتل السنوار إذا تُرك من دون علاج، فشكر السنوار الدكتور بيتون على إنقاذ حياته.
ويشير الدكتور بيتون إلى أنّه «كان من المهمّ له أن أفهم من مسلم مدى أهمية هذا في الإسلام – أنّه مدين لي بحياته»، والذي أصبح لاحقاً رئيس استخبارات مصلحة السجون الإسرائيلية.
في تطوّر مؤلم للأحداث، عندما ضربت «حماس» إسرائيل في عام 2023، كان تمير آدار، ابن شقيق الدكتور بيتون، من بين الرهائن الذين أعيدوا إلى غزة، حيث توفّيَ بعد فترة وجيزة.
في عام 2011، اتفقت إسرائيل و»حماس» على تبادل جندي إسرائيلي أسير، جلعاد شاليط، مقابل 1,027 سجيناً فلسطينياً. وكان السنوار هو السجين الأرفع مستوى الذي أُفرِج عنه في الصفقة.