Site icon IMLebanon

«يالطا جديدة» في المنطقة خارجها بيروت!

من تصريحات يونسي إلى «عاصفة الحزم»

«يالطا جديدة» في المنطقة خارجها بيروت!

لا يمكن فصل «عاصفة الحزم» الجارية منذ فجر الخميس الماضي في اليمن عن مجمل الظروف التاريخية والوقائع الميدانية، والمصالح الجيوبوليتكية، فضلاً عن المصالح العسكرية والإقتصادية والتسليحية للدول الكبرى، وفي مقدّمها الولايات المتحدة الأميركية.

تعدّدت القراءات والمقاربات المباشرة والبعيدة للحدث اليمني، تارة في تحليل الأسباب التي أدّت إلى العمليات الجوية التي تنخرط ضمنها 10 دول بقيادة المملكة العربية السعودية، وتارة في البحث عن التوريطات ضمن «نظرية المؤامرة»، أو «لعبة العرائس» على مسرح الخليج العربي، بموانئه ومضائقه، وتشعبات المصالح وتصادم حقائق التاريخ والجغرافيا، في تلك البقعة الساخنة من العالم، والغنية بغازها ونفطها وثرواتها الروحية، من حرب الخليج الأولى إلى غزو بغداد، وصولاً إلى عملية «عاصفة الحزم» التي تقترب من نهاية أسبوعها الأول، والمستمرة حتى تسلّم جماعة الحوثيين، ومن ورائها إيران، بالشرعية اليمنية، ممثّلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي شارك في قمة شرم الشيخ، وألقى خطاباً هناك، ثم اصطحبه معه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الرياض، حيث تُقاد من هناك العمليات العسكرية. التي تنتظر تشكيل القوة المشتركة للتدخل السريع في مواجهة الإرهاب، وزعزعة استقرار الدول العربية.. ربّما لتنتقل الحرب من الجوّ إلى البرّ، في محاولة لإحكام الحصار على مقاتلي الحركة الحوثية وأنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي كشف النقاب عن إرسال إبنه قائد الحرس الجمهوري إلى الرياض للتفاوض، مع نشر صور له مع قيادات أمنية سعودية..

خارج سياق المبادرات لوقف النار، أو الدعوات لإنهاء العمليات الحربية والعودة إلى الحوار، وبصرف النظر عمّا إذا كانت ستلقى آذاناً صاغية أم لا، بقيت الأسئلة التي شغلت الخبراء والمعنيين ورجال السياسة، وقادة الرأي لم تتغيّر: ما الذي حدث؟ وما هي أبعاد التدخل الخليجي – العربي – الإسلامي بقيادة السعودية؟ وهل هناك انعكاسات لبنانية مباشرة؟

في الشق الأول من التساؤلات، بالعودة إلى وقائع ما قبل التدخل الخليجي العسكري أو إلى الأرشيف الحديث جداً، يمكن الاستنتاج أن الإندفاعة الحوثية، التي لم تتوقف عند أبواب عدن، شكّلت عامل القلق الأول، الذي أدّى إلى الحاجة الملحّة لتغيير قواعد اللعبة، إذ أن الإكتساح غير المسبوق لقوة سياسية، أو جماعة طائفية في اليمن، وسقوط كل المواقع الأخرى، أدّى إلى تحوُّل تاريخي، لا يمكن القبول به من جانب الدول المجاورة، وهي نشوء قوة غير صديقة، وعلى ارتباط مع قوى أخرى، فكان لا بدّ من العمل العسكري، من وجهة نظر الذين اتخذوا القرار، إذ ماذا يعني أن تسيطر جهة ما على كامل اليمن ثم تدعو إلى الحوار؟!

وفي الشق الثاني من التساؤلات، لا يمكن فهم ما جرى، كارتباط موضوعي، بمعزل عن المسار التاريخي للعلاقات السعودية – اليمنية، وبالتالي الخليجية..

(1) يروي كارل بروكلمان في كتابه القيّم «تاريخ الشعوب الإسلامية» كيف كانت العلاقات بين المملكة العربية السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز بن سعود، والإمام يحيى، وهو إمام زيدي، استفاد من الخلافات جنوب السعودية، واحتل المنطقة الساحلية، ومنها ثُغَر الحديدة الهام، الذي جلا عنه الإنكليز عام 1921. ودفعاً لهذا العدوان (بتعبير بروكلمان) التمس شيوخ عسير المساعدة من الملك السعودي، واضعين بلادهم تحت حمايته بموجب معاهدة عُقدت في مكة في 31 ك1 1926.

كان الإمام يحيى يراهن على علاقته مع إيطاليا لبسط نفوذه على كامل منطقة عدن، ثم طوّر تحالفاته مع السوفيات.

في مطلع عام 1934، زحفت قوات الملك عبد العزيز إلى الحدود المشتركة بين اليمن وعسير، وسيطرت على الأقسام الداخلية من تهامة إلى الحديدة، مكتفياً بما نصّت عليه معاهدة الصلح مع اليمن في 20 أيار 1934.

(2) وما دمنا، في رحاب الوعي التاريخي للحدث اليمني، لا يجوز، بحال من الأحوال، عدم الإشارة إلى ما نُسب إلى علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، (وكان سبق وشغل منصب وزير الاستخبارات في حكومة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي)، من أن «إيران اليوم أصحبت إمبراطورية كما كانت في الماضي وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي».

ومن العودة إلى تحليل السياق الذي جاء فيه كلام يونسي يتبيّن أن وكالة أنباء «إيسنا» للطلبة الإيرانيين هي التي نقلت تصريحاته، التي أدلى بها خلال منتدى «الهوية الإيرانية».

ومضى يونسي قائلاً: كل «منطقة الشرق الأوسط إيرانية»، و«سندافع عن كل شعوب المنطقة، لأننا نعتبرهم جزءاً من إيران»..

وضد مَنْ سيكون هذا الدفاع: «سنقف بوجه التطرُّف الإسلامي والتكفير والإلحاد والعثمانيين الجدد (تركيا) والوهابيين (السعودية) والغرب (أميركا) والصهيونية (إسرائيل)..

الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، سبق يونسي بالتأكيد أمام وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن «إيران تسيطر على العراق».. في إشارة إلى عدم رضى بلاده عن السياسة الأميركية في العراق التي أدّت إلى هذه النتيجة..

ولم يتأخر الفيصل في الإعلان أن بلاده تدرس التدخل العسكري ضد الحوثيين ما لم تتوقف الهجمات والسيطرة الحوثية على مقدرات الدولة اليمنية، من صنعاء إلى عدن، وملاحقة الرئيس الشرعي لليمن وحكومته..

هل كان لهذه التصريحات أثر في القرار الخليجي؟ الجواب بالتأكيد نعم، أو على الأقل، لم يكن بالإمكان تجاهل تنامي النفوذ الإيراني من باب المندب إلى سواحل اللاذقية، فبحر الشام من الناقورة إلى الأوزاعي غرب الجمهورية اللبنانية، التي تعدّ عاصمتها بيروت إحدى العواصم الأربع التي تتحدث عنها القيادات الإيرانية كمناطق واقعة تحت النفوذ الإيراني..

(3) على الأهم، هو الجيوبوليتكا، ودورها في تأجيج الصراعات وإطفائها في المناطق المؤهلة للحروب، إما لأسباب إتنية، أو دينية، أو إقتصادية، أو جيوبوليتكية..

من هذه الزاوية بالذات، يمكن فهم التشكل الجديد لواقع المنطقة، قبل أو بعد تحوّل إيران إلى قوة نووية أو تحوّل الشيعة في العالم إلى قوة تدخل النادي «النووي الدولي»:

1- تحرك الجبهات العسكرية دفعة واحدة مع تطور الحدث اليمني: سقوط درعا وبصرى الشام بأيدي النصرة، ثم إدلب (كمناطق نفوذ تركي) والرقة (كمنطقة نفوذ قطري) والصراع على دمشق، والقلمون (كمناطق نفوذ إيراني مدعوماً بوحدات حزب الله القتالية»..

2- إعادة تحريك العمليات في تكريت لإسقاطها، تمهيداً لمحاصرة «داعش»، وهو الأمر الذي يعني أن إيران أصبحت من النواحي الجيوبوليتكية والحصصية لها الكلمة الأولى والطولى في العراق..

3- ضمن هذه المعطيات، عاد اليمين المتطرّف إلى السلطة في إسرائيل، إذ لا دولة فلسطينية، بل دولة يهودية فقط..

4- كان من شأن التمدّد الحوثي إلى حدود السعودية الجنوبية إعادة تحريك ما تضمنته معاهدة عام 1934، فكان أن اتخذت السعودية المبادرة، وأعلنت أن اليمن لا يمكن أن تكون خارج نفوذها..

توضحت إلى هنا، صورة الوضع: إنها يالطا جديدة في الشرق الأوسط، وليست إمبراطورية إيرانية، تُعيد أمجاد الماضي الساساني، بدءاً من «المدائن» بغداد..

أمّا لبنانياً، وهو الشق الثالث من الأسئلة، فالمسألة بسيطة: إن الستاتيكو اللبناني، القائم، مرشّح للإستمرار، لكنه متأثر بتطور الموقف الميداني في اليمن بصورة رئيسية، وبتطوّر المواجهة التي بدأت في جرود القلمون السورية منها واللبنانية..

إلّا أن «الستاتيكو اللبناني» الذي دلّ على التمسّك به كل من الرئيس سعد الحريري والسيّد حسن نصر الله عبر حوار عين التينة، حيث جدّد مؤتمر أمل الذي انعقد أمس البيعة للرئيس نبيه بري، متأثر بمتغيّرات متسارعة قد لا تبُقي عليه طويلاً!