الجميع يستعد للتحرك يوم السبت المقبل في وسط بيروت. باتت مهمة تفكيك وتحليل مكونات المجموعات التي تنشط للدعوة إلى المشاركة في التظاهرة أكثر صعوبة، يختلط فيها السياسي بالمدني. لكن من الواضح أنّ ثمة عقداً ضمنياً تبناه جميع النشطاء تلقائياً، سقفه الأدنى أنّ الجميع معنيٌّ بالمشاركة بمعزل عن أسباب مشاركته، ولائحة مطالبه، والأهم مدى قبوله وتقبله للطرف الآخر
يقتضي الاعتراف بأنّ السذاجة السياسية دفعت مكونات عديدة انخرطت في انتفاضة ٢٢ آب، إلى الإصرار على إمكانية تغيير النظام القائم من خلال تجاهل الصراعات التي تحكمه وتبقيه على قيد الحياة، ضمن حسابات وتوازنات غاية في الدقة. يقابل ذلك أيضاً سذاجة، ليست بريئة على الإطلاق، تصرّ على تبسيط وتسطيح أكبر للحراك من خلال الإصرار على التزام السقف البيئي الذي كان شرارة الانتفاضة، أي حل أزمة النفايات التي بدأت مع إغلاق مطمر الناعمة ـ عين درافيل وتكدس آلاف الأطنان من القمامة في الطرقات، وصولاً إلى تخبّط السلطة السياسية في إيجاد مخرج لحل مرحلي ينزع فتيل المشهد المقزز للنفايات من الطرقات من خلال رميها في مكب آخر، مروراً بالحل المتوسط والطويل الأمد من خلال إطلاق مناقصات جديدة وإعادة تلزيم القطاع إلى شركات خاصة.
«بالزبالة نحنا معكم» هو الشعار الذي أطلقه «تجمع منظمات المجتمع المدني في لبنان» في مؤتمر صحفي عقد أمس في أوتيل المونرو. تمويل انعقاد هذا المؤتمر في فندق فخم جاء من المنظمة العربية للمعلوماتية والاتصالات «إجمع»، وهي مظلة عربية تجمع العديد من الجمعيات والمبادرات والنشطاء العاملين في قضايا حرية الإنترنت وتمولها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID).
وبمعزل عن أطروحات وحجج كل من يتبنى فكرة الاستمرار في الاحتجاج تحت سقف «مشكلة النفايات»، على هؤلاء التنبه إلى أنه يلتقون في هذا التوجه مع «التوصية» الصريحة من USAID، بأن لا يحمل الحراك أي بعد سياسي.
الإشارة إلى دخول وكالة التنمية الأميركية على الخط، لا يعني على الإطلاق تبني الأطروحات المؤامراتية من قبيل أنّ بعض النشطاء تحركهم منظمة «أوتبور» (المقاومة الشعبية الصربية)! لكن الجرأة تقتضي القول إن كل دعوة إلى إبعاد الحراك عن هدفه السياسي، والإبقاء على سقف «حل مشكلة النفايات» هي دعوة مرفوضة. مع الإشارة إلى أنّ مطلب الحراك بفتح تحقيق بأعمال الاعتداء المنظم والبوليسي الذي تعرض له المتظاهرون في ساحة رياض الصلح على أيدي أجهزة أمنية وعسكرية عديدة ومحاسبة المرتكبين من عناصر وضباط، هو مطلب مبدئي يجب عدم التراجع عنه. وإن المطالب الفرعية المتمثلة بحل مشكلة النفايات ومحاسبة المعتدين واستقالة الوزراء المقصرين تؤسس لتراكم مطلبي، يسقط الشعارات الفارغة والاستغلال السياسي، لكنه لا يفرغ الحراك من مضمونه السياسي، والذي ينقسم حوله النشطاء أيضاً بين أولوية انتخاب رئيس جمهورية من قبل النواب الحاليين، أو انتخاب مجلس نيابي جديد على أساس قانون النسبية ومن ثم انتخاب رئيس وتشكيل حكومة.
تقرر تشكيل خمس
لجان تنظيمية مهمتها
إنجاح التظاهرة
عشرات المجموعات الفيسبوكية أطلقت الدعوات للانضمام إلى تحرك يوم السبت، لكن الواضح أن صفحة «طلعت ريحتكم» على فيسبوك التي وصل عدد المعجبين بها إلى قرابة ١٥٠ ألف شخص هي الأقوى والأفعل في العالم الافتراضي، وهي تشكل عنصر القوة الأبرز لحلقة ضيقة من النشطاء، غالبيتهم من المدونين للاستمرار في الإمساك بلعبة التجييش الإلكتروني ومدى انعكاس هذا التجييش على استقطاب أعداد أكبر من المتظاهرين الفرديين الذين كانوا حتى يوم ٢٢ آب الجاري الشريحة الأكبر من المشاركين. هذا لا يقود إلى استنتاج أن من يمتلك كلمة مرور صفحة «طلعت ريحتكم» يقود الثورة، لكن تكتيك الحشد الإلكتروني له أسياده، وهؤلاء يبدعون ويبتكرون حملة جميلة لحشد الرأي العام ودعوته إلى المشاركة في ظل «حفلة الزجل» التي يتبارى فيها الجميع على الإدلاء بدلوه في مختلف القضايا السياسية الخلافية، بدءاً من حزب الله وموقفه، مروراً بالتيار الوطني الحر ومشاركته، وصولاً إلى تخبط مكونات أساسية في قوى ١٤ آذار من تكوين موقف حول الحراك، تراجعت من سقف شيطنته وإلصاقه بجنود المهدي المنتظر وسرايا المقاومة، وصولاً إلى ما يشبه الالتحاق المشروط به. يرى هؤلاء أن «حماية حراك السبت من الاختطاف أولوية قصوى»، وأن «التظاهرة ببرنامجها المدني» تمثلهم.
يحرص «نجوم» حملة طلعت ريحتكم على وحدة المجموعات التي تنشط للدعوة إلى تظاهرة يوم السبت، وتحديداً التنسيق مع حملة «بدنا نحاسب» وهي المجموعة الأبرز التي يتخندق فيها الشيوعيون وحركة الشعب ومجموعات يسارية أخرى. وفيما تصرّ المجموعة الأولى على أن مكان التظاهرة ينحصر في ساحة الشهداء، اقترحت المجموعة الثانية أنه يجب على التحرك الذي بدأ في ساحة رياض الصلح أن يعود إليها. لكن هناك مساعٍ لإعادة توحيد الدعوة وحصرها في ساحة الشهداء.
التباين حول الساحتين يرافقه أيضاً تباين في الموقف من مشاركة الأحزاب في الحراك، حيث وصفت حملة طلعت ريحتكم دعوة كافة الأحزاب السياسية اللبنانية في السر والعلن إلى تظاهرة السبت، بأنها «محاولة وقحة لسرقة صوت الناس والإيحاء أن تظاهرتنا تتخذ طرفاً، ونطمئنهم إلى أن مشاركتهم غير مرحب بها ما داموا جزءاً من السلطة، كما ندعو الأصدقاء إلى النزول بأعداد كبيرة جداً لحماية التظاهرة وتحركنا وصوتنا من أي استغلال». وعلى يمين حملة «طلعت ريحتكم» برزت اليوم مجموعة تستخدم وسم #عالشارع التي هددت أحزاب السلطة «أننا سنكون لهم بالمرصاد وسنجبرهم على الخروج من الحراك على الهواء مباشرة»، ودعت إلى المشاركة بكثافة «لكي تمنعوا أحزاب الإفلاس والفساد والسلاح والأصهرة والأولاد من خطف انتفاضتكم».
لكن ماذا عن أعمال الشغب؟ ومن يستطيع لجمها في كلتا الساحتين؟ وهل المطلوب أصلاً ممارسة هذا الدور؟ لا أحد يملك الإجابة عن هذه الأسئلة، خصوصاً أن تجربة التظاهرات السابقة أثبتت أن المنظمين مهما حاولوا حماية تحركهم من خلال سلسلة بشرية أو عناصر انضباط أو غيرها من أشكال التنظيم، فإن قرار القوى الأمنية كان الضرب بيد من حديد منذ البداية. بالنسبة إلى المجموعات الناشطة، إن هذا الأمر هو مصيري لنجاح تظاهرة يوم السبت، ولقد عقد أمس لقاء في تيار المجتمع المدني شمل مختلف مكونات الحراك، وبعد نقاش دام لعدة ساعات تقرر تشكيل خمس لجان (انضباط/ لوجستيات/محامين/مالية/إعلام) بهدف إنجاح التظاهرة والبناء على نجاحها تنظيمياً للتاسيس للتحركات اللاحقة.
وبمعزل عن تداعيات السيناريوات المرسومة ليوم السبت من قبل كل طرف، فإن الأكيد أن ساحات بيروت ستشهد في هذا اليوم التظاهرة الأكبر في عام ٢٠١٥، ونجاحها يحدد مستقبل الحراك ومساره.