IMLebanon

أنقِذوا يَسمى الآن

 

حياتها معلّقة بعودة والدها من غانا

 

يَسمى. ثاني مولود لـيَزَن وهَنا. طفلة مشاكسة تعشق الشمس. سمراء البشرة مع شعر مجعد أسود اللون. براءتها الطفولية معجونة بحُب غامر للحياة. جسدها النحيل يطاوعها رغم أوجاعه. تركض في زوايا البيت. تلاحق الضوء وتبتسم. يَسمى بطلة القصة. عادةً ما ينجو الأبطال في القصص… فهل ستكتب الدولة اللبنانية نهاية سعيدة لطفلة تقاوم سرطان الدم بابتسامة وهي لم تتجاوز الرابعة والنصف من عمرها؟

في العام 2018، أي عندما بلغت يسمى الثانية والنصف من عمرها، اكتشف والداها أنها مصابة باللوكيميا. بدأت الصغيرة رحلة العلاج في مستشفى المعونات في جبيل، تحت إشراف الطبيب بيتر نون. في المرحلة الأولى، قبعت في المستشفى لمدة 8 أشهر متواصلة تتلقى علاجها الكيميائي. تحسن وضعها الصحي فسمح لها الطبيب بالمغادرة، على أن تتابع علاجها فتأتي إلى المستشفى مرة كل أسبوع. استمر الأمر على هذه الحال واستمرت الصغيرة بمواجهة القدر بابتسامة. استقرت حالتها الصحية لمدة عامٍ تقريباً، إلى أن بدأت تظهر على جسدها الطري بُقع حمراء اللون تشي بأن الأمر ليس على ما يُرام. ليتبين أن عدد بلاكيت الدم يتدنى. احتاجت الصغيرة إلى عددٍ كبير من الفحوصات. اعتقد الطبيب أن الأمر قد يكون ناتجاً عن طفرة فطرية. زودت الصغيرة بدواء للعلاج، لكن ما لبثت أن عادت البقع إلى الظهور، وتحديداً في الأسبوع الماضي، ما دل على انخفاض البلاكيت في الدم مجدداً. إنه السرطان الذي أبى أن يغادر دمها. أمام ابتسامتها تلك، قرر الطبيب متابعة العلاج الكيميائي والتحضير لإجراء عملية زرع نخاع عظمي. عملية صعبة ودقيقة.

 

كتب الطبيب تقريره الذي شدد فيه على ضرورة حضور والد يسمى، المُهاجر في غانا منذ سنوات طويلة، لكونه قد يكون متبرعاً محتملاً. إذ تحتاج عملية الزرع إلى تطابق 100 في المئة بين أنسجة وخلايا الطفلة والمتبرع، ولذلك يجب إجراء الفحوصات اللازمة لشقيقة يسمى وأمها وأبيها. ولكن هل من أمل بأن يعود والدها من غانا ضمن عمليات إجلاء اللبنانيين في الخارج؟ أم أن هناك أسماءً ستسقط بواسطة “باراشوت” المحسوبيات لتسرق مقاعد من أشخاص آخرين مضطرين للعودة إلى لبنان؟ هل سيطغى الشق الإنساني أم أن السياسة لن تقيم وزناً لحياة طفلة، قد يكون مصيرها معلقاً بمصير والدها؟

 

بحرقة يتحدث زين نصر الدين، والد يسمى، عن حال طفلته التي لم يرها منذ مدة طويلة: “كيف يمكن أن تُجري ابنتي عملية جراحية على هذا القدر من الخطورة من دون أن أكون إلى جانبها، حتى لو لم أكن أنا المتبرع، كيف يمكن أن أحتمل البقاء هنا، وابنتي تواجه مصيراً مجهولاً”. يختنق ثم يضيف مناشداً المسؤولين: “نحن في غانا أكثر من 400 شخص سجلنا أسماءنا في السفارة اللبنانية ونرغب في العودة إلى لبنان، وهذا العدد مرشح إلى الارتفاع ليصل إلى 600 شخص بسبب الظروف الصعبة التي نعيشها هنا في ظل جائحة كورونا”، متسائلاً: “لماذا تم إلغاء الرحلة الثانية إلى غانا؟ تفاجأنا بهذا القرار من دون أن يشرح لنا أحد السبب. هل يعقل أن نبقى عالقين هنا بينما الطائرات اللبنانية تُجلي أعداداً أقل بكثير من بلدان أخرى! فأنا واثق من أنه ليس خافياً على أحد أنه يوجد في غانا أكبر عددٍ للجالية اللبنانية في شمال أفريقيا”.

 

يُدرك زين الذي لا ينفك يتواصل مع طبيب ابنته بشكل شبه يومي، أن الإثنين المقبل ستُجري ابنته عدداً من الفحوصات، لتبدأ على ضوئها بالحصول على العلاج لمدة أسبوعين. بعدها، سيُحدد الطبيب هوية المتبرع وموعد إجراء العملية الجراحية لها. لكنه في الوقت عينه يُدرك ايضاً أن لا بوادر حتى الساعة تشي باحتمال إرسال طائرة إجلاء إلى غانا. تراوده أفكار كثيرة. يصمت ثم يضيف: “لا أستطيع أن أتخيل أنني قد أبقى هنا في هذا الوقت الحرج، بينما تخوض زوجتي وحيدةً هذه المعركة. يكفي أنها تحمّلت المشقة لأكثر من عام ونيف!”.

 

في السابق، كانت تحط طائرات الميديل إيست في غانا كل إثنين وخميس من كل أسبوع. في هذا الوقت من كل سنة تحديداً، يرتفع عدد العائدين في زيارات قصيرة إلى لبنان، وذلك بسبب الأمراض الموسمية التي تطال عدداً لا بأس به من اللبنانيين العاملين هناك. لكن هذا العام حلّ كورونا ضيفاً ثقيلاً على الجميع، وبدّل كل الخطط. ضرب الوباء غانا التي تشهد ارتفاعاً يومياً بأعداد الإصابات، وقد سجلت حتى يوم أمس 2169 إصابة جديدة بالمرض. يتحدث زين عن جاره الأربعيني الذي توفي بالمرض الشهر الماضي: “توفي شابان لبنانيان هنا بسبب كورونا. الرجل الذي توفي الشهر الماضي كان جارنا. نحن نعرف أن الوضع صعب، فمغادرة غانا قد تطول. قد تصبح العودة ثانية حلماً، ولكنني ما عدت أكترث فصحة ابنتي أثمن من اي شيء”.

 

قدّم اللبنانيون في غانا عريضة إلى السفير اللبناني يطالبون فيها إجلاءهم في اسرع وقت، لكنها لم تأتِ بنتيجة إيجابية. لكنهم لم ييأسوا وأقدموا على التواصل مع الطيران المصري. إذ علمت “نداء الوطن” أن عدداً منهم أبلغ السفير اللبناني بنتيهم العودة عبر الطيران المصري، الأمر الذي رفضه مسؤولون لبنانيون، معتبرين أن وزارتي الصحة والخارجية مسؤولتان عن هذا الملف، ولا عودة لأي لبناني إلا عبر طيران “الميدل إيست”، ومن خلال الخضوع لكل الإجراءات التي تتخذها وزارة الصحة. يرغم اللبنانيون على العودة عبر طيران الشرق الأوسط علماً أن تكلفة تذكرة السفر على الطيران المصري أقل بكثير منها عبر “الميدل إيست”، إذ إن سعر تذكرة السفر على الطيران المصري للدرجة الاقتصادية يبلغ 1200 دولار أميركي، ودرجة البيزنس 2500 دولار، في حين أن تكلفة الدرجة الاقتصادية على طيران الشرق الأوسط 1800 دولار، ودرجة البيزنس كلاس 3900 دولار. فضلاً عن أن كلفة الطائرة المصرية لا تتجاوز 218 ألف دولار وهي تتسع لـ165 شخصاً بعد مراعاة عملية التباعد الاجتماعي على متنها.

 

 

حالة الطفلة يسمى الطارئة تؤكد أن زين لا يريد العودة خوفاً من كوروناً، بل لإنقاذ حياة ابنته. فهل ستكون الدولة اللبنانية شريكةً في عملية إنقاذها أيضاً؟ سألنا مدير الشؤون السياسية والقنصلية في وزارة الخارجية غادي الخوري الذي أكد معرفته بتفاصيل حالة يسمى وسعيه وتواصله المستمر مع سفير لبنان في غانا لتأمين عودة زين بأي طريقة، مشيراً إلى أنه “تم البحث عن أفضل طريقة لتأمين عودته إلى لبنان لإنقاذ حياة ابنته، فنحن نبحث إمكانية انتقاله من غانا إلى توغو من ثم إلى لبنان، أو إلى أبيدجان ثم لبنان، أو إلى غوالا ثم لبنان، وذلك لعدم وجود طائرة من غانا حالياً”.

 

ولكن هذه الاقتراحات يرد عليها زين بالقول: “إنه من الصعب جداً الخروج من غانا، وحتى إن فعلت فمن الصعب الدخول إلى البلدان الأخرى، ففي توغو مثلاً، وهي الخيار الذي يتم العمل عليه من قبل السفارة اللبنانية في غانا، فأنا أحتاج إلى فيزا للدخول، وبالعادة أحصل عليها على الحدود بين البلدين، إلا أنه حالياً من المستحيل الحصول عليها بسبب الإغلاق الكامل لكل المرافق والمؤسسات الرسمية هناك. فضلاً عن أنه إن نجحت ودخلت، فعلي الإلتزام بالحجر 14 يوماً، قبل مغادرة البلاد، ما يعني أنني ربما لن ألحق بطائرة الإجلاء”.

 

وعند سؤال الخوري عن سبب عدم توجه طائرة إجلاء إلى غانا في ظل وجود عدد كبير من اللبنانيين الراغبين بالعودة من هناك، ردّ: “هناك أعداد كبيرة من اللبنانيين الراغبين في العودة في كل مكان وليس فقط في غانا، إذ يوجد أكثر من 20 ألف لبناني في الخارج، ونحن نحاول أن نوازن لكي لا نظلم أحداً، ونسعى إلى تأمين طائرات في مختلف البلدان”.

 

أما عن سبب رفض اقتراح عودة اللبنانيين عبر الطيران المصري، فأكد الخوري أن “قرار مجلس الوزراء حصر هذه العملية بشركة الطيران الوطنية ونحن ملزمون بتطبيقه”، معتبراً أن “المشكلة ليست في عدم وجود طائرات، فإن شركة طيران “الميديل إيست” قادرة على إرسال الطائرات إلى أي مكان، لكن المشكلة تكمن في القدرة الإستيعابية للجهاز الصحي والطبي في لبنان، فكل الداخلين يحتاجون إلى مراقبة دقيقة ومتابعة للتأكد من عدم حملهم للفيروس وتطبيقهم للتعليمات وتوصيات الأطباء في الحجر المنزلي كما يجب”.

 

إذاً، ليس أمام زين إلا انتظار فرج الحلول، بينما تتحضر يسمى لدخول المستشفى ومتابعة مشوارها النضالي ضد السرطان الخبيث وهي تبتسم له.