لا يبدو الدخول في الثلث الثالث من عهد الرئيس ميشال عون مُطَمْئِناً. وحتى الآن، الطريق إلى استحقاقات العام 2022 ليست لا سالكة ولا آمِنة. فالرئيس نفسُه أطلق النبوءة بالذهاب إلى «جهنَّم» إذا لم يتوافر الحلّ. وبالتأكيد، هو يعرف، وهو على حقّ.
منعاً للضياع في التفاصيل والرهان على السراب، كل الأزمات التي يعيشها اللبنانيون حالياً ليست قابلة للحلّ، لأنّها فصولٌ هامشية من أزمةٍ واحدة كبيرة وعميقة.
أي، كل المحاولات لتأليف حكومة فاعلة وإنقاذية لن تنجح، بمعزل عن السجالات السطحية حول الحصص والحقائب والأسماء. وكل السجالات حول الوضع الاقتصادي والمالي والمصرفي والنقدي، أي الدعم والاحتياط والودائع و»الهيركات» و»الكابيتال كونترول» والتدقيق الجنائي و»اليوروبوند» والذهب والصندوق السيادي والغاز وتوحيد أسعار الصرف والتعاطي مع صندوق النقد وسوى ذلك، ليست سوى ملهاة في الوقت الضائع.
وحتى لو تمّ تشكيل حكومةٍ، في ظلّ هذه المعطيات، فهي ستكون فاشلة كما حكومة الرئيس حسّان دياب. وحتى لو جرى اتخاذ تدابير اقتصادية أو مالية أو نقدية طارئة، فهي لن تنجح حتى في الحدّ من تسارع الانهيار. وستكون العواقب وخيمة.
جوهر الأزمة هو: هل سيبقى لبنان على قيد الحياة؟ وأي لبنان هو الذي يُراد له أن يحيا، عند تقاطع الصراعات بين المحاور والمصالح الإقليمية والدولية، ولاسيما الصراع الأميركي- الإيراني، وفي دائرة الأهداف والمصالح الإسرائيلية؟
لبنان هو من البلدان الأكثر ارتهاناً للقوى والمصالح الخارجية. ويقول ديبلوماسي عتيق:
«تأملوا هذه الخلطة العجيبة. دستورُ لبنان صُنِع في الطائف بتوافقٍ إقليمي- دولي، وهو يعيش هدنةً صُنِعت في الدوحة. واليوم، هو ينتظر تفاهم الأميركيين والإيرانيين، لإنقاذ مبادرة جاء بها الفرنسيون، بدعمٍ الأوروبيين والروس، على أمل أن يستعيد أموال السعوديين وسائر الخليجيين… ويتجنَّب ضربةً قد يعمد إليها الإسرائيليون!».
هذا البلد المرتهن للخارج، جملةً وتفصيلاً، يتمّ فيه اختيار الرؤساء وتتألف الحكومات وتسقط، ويجري تعيين الموظّفين وتتأمّن لهم الحصانات في المؤسسات والأجهزة بـ»كلمة سرّ» خارجية، أو يتمّ استبعادهم بـ»فيتو» من هذا الطرف الخارجي أو ذاك.
ولذلك، طبيعي أن يكون الجالسون اليوم في مواقع السلطة مجرد وكلاء للقوى التي جاءت بهم إلى هذه السلطة. وتالياً، يصبح مستحيلاً أن تتوافق القوى الداخلية على الحل، ما لم تتوافق القوى الخارجية وتمنح وكلاءها الضوء الأخضر.
في العام 2016، وبدعم من مناخات التوافق الإقليمي- الدولي، بعد اتفاق فيينا مع إيران قبل عام، ولدت التسوية الرئاسية المعروفة. ولكن، بدءاً من العام 2017، حدث الانقلاب. ومارست إدارة الرئيس دونالد ترامب ضغوطها القوية على إيران وحلفائها، بعد انسحابها الأحادي من هذا الاتفاق.
وخاضت المنظومة الخليجية هذه المعركة بكامل قواها ضدّ إيران و»حزب الله». وهذا ما انعكس على لبنان وعلاقة الخليجيين به. ومُنِع الفرنسيون من إنقاذ منظومة السلطة من خلال مساعدات «سيدر»، فانكشف الفساد الذي لطالما جرى إخفاؤه قصداً، لغايات سياسية، ما أدّى إلى الانهيار.
اليوم، يرغب الإيرانيون في العودة إلى ما قبل ترامب. وهم الذين انتظروا 4 سنوات يراهنون على الانتظار 4 أشهر لعقد اتفاق جديد مع الإدارة الجديدة. وبالفعل، يبدو الرئيس جو بايدن موافقاً على العودة إلى الاتفاق النووي، ولكن، ليس بالشروط التي تطمح إليها إيران. ومنطقه يقترب كثيراً من منطق الأوروبيين.
وفي الانتظار، سيبقى لبنان منتظراً على قارعة الطريق حتى ظهور المعطى الجديد بين واشنطن وطهران. وهذا يعني أنّ الطرفين سيتواجهان بقوة في لبنان، مباشرة ومن خلال الحلفاء، إلى أن تُحسَم المعركة بينهما، بالاتفاق أو بهزيمة أحدهما. ويعني ذلك حرفياً ما يأتي:
في العام 2021، وحتى ظهور المعطى الجديد، لا حكومة في لبنان، ولا إصلاحات، ولا خطة إنقاذية ولا مساعدات خارجية، ولا قيامة للمؤسسات، ولا دولارات باقية للدعم، ولا قدرة للفقراء على العيش (أكثر من 55% من اللبنانيين)… ولا استقرار اقتصادياً أو اجتماعياً، أو أمنياً ربما.
ولكن، هذا المأزق يترافق مع تحدّيات المواجهة الأخرى، الخطرة، مع إسرائيل، سواء على طاولة المفاوضات في الناقورة، أو في الميدان حيث تزداد السخونة مع «حزب الله»، على خلفيات المستودعات والأنفاق والصواريخ الدقيقة.
وإذا كانت إسرائيل قد أمضت العام 2020، بلياليه ونهاراته، وهي تستكشف وتترصَّد لبنان من أجوائه، فمَن يَضْمَن عدم ذهابِها إلى مغامرةٍ أبعد وأخطر في العام 2021؟
وهذا يستتبع السؤال الآخر: كم يستطيع لبنان أن ينتظر حتى إنجاز التسويات على خطوط إقليمية ودولية مختلفة، ولاسيما في مثلث إيران – الولايات المتحدة – إسرائيل؟
في السياسة كما في التجارة، عامل الوقت أساسي في احتساب الأرباح والخسائر. فماذا لو أفرز الاهتراء اللبناني خلال العام المقبل وقائع جديدة على الأرض يصعب تغييرها؟ وماذا لو وجد بعض القوى الإقليمية أنّ من مصلحته استغلال هذه الوقائع والبناء عليها؟
سيكون العام 2021 حاسماً في تقرير مصير لبنان، أياً تكن التوقعات. وفيه سيتقرَّر إذا كان لبنان سيدخل في عام الاستحقاقات الكبرى في شكل طبيعي أو لا.
للتذكير، 2022، هو عام الانتخابات البلدية والنيابية والرئاسية في آن معاً. وفيه سيقف كل طرفٍ «على سلاحه» (بالمعنى الحقيقي والمعنى المجازي على حدّ سواء) للدفاع عن نفسه أو نفوذه، في لحظة تتكرَّس فيها الهزيمة أو الانتصار. فهل يظنُّ أحد أنّ قوى الداخل والخارج ستستعد ببراءة لهذه الاستحقاقات؟ وهنا، يطول الحديث.