IMLebanon

طالما انّ “التأريخ ملزم”، الفصل بين أعوام ثلاثة مستحيل!

 

لو لم يكن التأريخ واجباً للفصل بين عامين بعد اقل من 48 ساعة، لما كان الامر ضرورياً بالنسبة الى اللبنانيين. فالملفات التي ورثها العام 2022 عن سلفه ما زالت هي هي تتناسل وتتوالد ليسلّمها الى خلفه العام 2023. وإن أضيفت اليها بعض العناوين فإنّ بعضاً منها يشكل امتداداً لأزمة عصفت بالبلاد منذ ثلاث سنوات وتوارثتها المنظومة مكتفية بأحيائها بعدما فشلت في معالجة أيّ منها. وعليه، كيف يمكن تفسير هذه المعادلة؟

بعد ساعات قليلة يطوي العام 2022 ايّامه لتدخل البلاد ومعها العالم كله مدار سنة جديدة في ظروف غابت عنها المفاجآت بالنسبة الى اللبنانيين كلياً. وما هو ثابت حتى الساعة أنه لن يكون هناك انتظارات ايجابية متوقعة. فالتطورات بمجرياتها المنتظرة على اكثر من مستوى تنحو الى الاسوأ مع الاحتفاظ بسرديتها وتطورها. لذلك فإن ما سيرثه العام المقبل من تداعيات العجز وأوساخ الفشل في مقاربة هموم اللبنانيين يكفي ليكون امتداداً لما سبقه إن لم يكن أكثر من ذلك بعامين على الأقل. ولا تخفى على أحد بعض الفروق البسيطة التي جاءت بعناوين جديدة للأزمات نتيجة توالدها تباعاً، وبفِعل بعض الاستحقاقات والمواعيد الدستورية التي لم تنجز. ولذلك فقد شكلت من دون تردد او جدل استمراراً لكل ما عصف بالبلاد منذ ثلاث سنوات من مصائب ما زالت تتفاعل طالما انها لم ترَ أيّاً منها طريقها الى التبريد او الحل.

 

واللافت ان معظم الأزمات التي تولدت وتناسلت وتشعبت ما زالت تتنامى والرب راعيها. ومردّ ذلك الى أن المجال مفتوح امام ابطالها ومسبباتها ومفتعليها، وهم بلا اي شك ممّن أتقنَ النكد بكل وجوهه من دون احتساب ما انتهت اليه أفعاله من نكبات. وإن بقيت المنظومة المتحكمة بالبلاد والعباد بكل فاعليتها محتفظة بقدراتها التي لا تقهر لا بالشعر ولا بالأدب ولا بالشعارات الفارغة، فلا أمل بتجاوز أيّ منها. والأنكى أنهم يعلنون غير ما يضمرون وعلى عكس ما يفعلون، وبألسنة دس فيها سم الدجل في عسل التعهدات، يبشّرون الناس بإنجازات لم يرصدها أحد بعد.

 

وان حاول بعض اللبنانيين على عتبة السنة الجديدة إحصاء بعضها، فلا بد من رصد التحولات التي سبقت وتلت انتفاضة 17 تشرين وتردداتها التي لم تدم طويلا، وهو ما استشعره أهل المنظومة قبل غيرهم، فنجحوا وقياساً على ما يمتلكونه من قدرات وخبرات في زرع أكثر من «حصان طروادة» في أمكنة ومواقع حساسة بغية تفكيكها. وهو امر تزامَن مع افتعال أخرى ساهَم التردي النقدي والمالي وفقدان الخدمات العامة بزيادة حجمها الى درجات لا يمكن أن يحتملها أي شعب ولا بد من ان ينصرف الى مواجهتها وفق أولويات دفعته الى مواجهة ما دخل البيوت وهدّد لقمة عيشهم في مصادرها وكلفتها، عدا عن فقدانها في مواقع ومجالات وقطاعات حيوية مختلفة تمس حياتهم اليومية ومسؤولياتهم العائلية. فارتفعت نسبة الخلافات بين المنتفضين وزادت حاجة المواطنين الى الانكفاء عن الطرق بُغية توفير أبسط مقومات العيش في بلد فقدت فيه المؤسسات الصحية دورها نتيجة تطورات جائحة كورونا، كما دفعت الازمة الاقتصادية والنقدية نسبة أخرى منهم الى البحث عن مورد جديد للعيش.

 

وعلى وقع مجموعة الازمات هذه، ألغيت المسافات الزمنية بين عام وآخر، ووضعت الروزنامة التفصيلية الشهرية على الرف بعدما باتت المفاجآت واردة بين يوم وآخر إن لم تكن بين ساعة واخرى. خصوصا بعد النكبة الناجمة من تفجير مرفأ بيروت، ولم يعد اللبنانيون يميّزون بين يوم وآخر، يُحصون الضحايا والجرحى بالآلاف وسط ذهول لم يعرفه المواطنون والمقيمون على أرض لبنان من قبل نتيجة ما حَصدته الكارثة من تدمير لجزء كبير من العاصمة وزرعت الخوف في نفوس جميع اللبنانيين تعاطفاً مع ضحاياها وتحولت الانظار الى المجتمع الدولي الذي هَبّ لمساعدته في غياب أي مظهر من مظاهر الدولة ومؤسساتها على اختلاف أنواعها، وحَلّ الشلل في قطاعات الخدمات من ماء وكهرباء ودواء وخدمات الهاتف والإنترنت نتيجة فقدانها او غلاء اسعارها الى درجة أبعَدت اللبنانيين بعضهم عن بعض وفكّكت عائلات وشرّدت أبناء آخرين في هجرتَين، واحدة قادتهم الى الداخل وأخرى وزّعتهم في اصقاع الارض قاطبة.

 

إزاء مجموعة المآسي هذه، انتقل اللبنانيون بالروزنامة من اسبوع الى اسبوع ومن شهر إلى آخر على وَقع الوعود والانتظارات الكاذبة، إلى أن شاركوا في اكثر من استحقاق دستوري بأقل نسبة اهتمام سوى الانتخابات النيابية التي شكّلت نموذجاً للنزاع الذي عاشه اللبنانيون بين طاقمٍ فاشل وفاسد يتمتع بقدرات هائلة، وآخرين تشتتوا على لوائح مُتناحرة فكانت أرخص الانتخابات في تاريخها والأقل كلفة على المرشحين الذين أرضوا ناخبيهم بـ»قسيمة بنزين» او بوجبة سندويش، فعزّزت اليأس لدى اكثريتهم بمَن هم في السلطة ومعهم الساعين الى اكتساب مقعد او موقع فيها. فكانت حصيلتها المزيد من التشتّت بين عدد من الكتل الصغيرة على رغم من احتفاظ القوى الاربع الكبرى بحصتها التي ضمنتها من خلال قانون للانتخاب، فكانت الدوائر تقسّم على قياس قدراتهم بطريقة ضمنت لهم مواقعهم المتناحرة في معادلة سلبية لا يمكن ان تنتج أي خطوة ايجابية على اكثر من مستوى.

 

وفي هذه الاجواء، وعد اللبنانيون برئيس جديد للجمهورية وتعهدوا بانتخابه، فعبرت المهل وضاعت الفرص وتشتتت المؤسسات وتبددت قدراتها المادية والمعنوية وغابت الخدمات واكتوى اللبنانيون بنار الإنهيارات المالية والنقدية وفقدان السلع الاساسية، فاختبروا الطوابير أمام محطات المحروقات والافران وآلات الصرافة فيما بقيت المنظومة متراصّة تترصّد معاناتهم وتتلاعب بها في مزايدات رخيصة وبأساليب ملتوية. ومَضوا في تحالفاتهم التي لا تنتج سوى مزيد من المماطلة والتسويف، ما يؤدي الى العتمة المستدامة في قصر بعبدا نتيجة خلو سدة الرئاسة من شاغلها الى أمد لا يمكن لأحد أن يتوقعه. والمؤسف أنّ من بينهم من لا يتردد في الحديث عن مواصفات الرئيس، ليس لسبب سوى انهم يبحثون عمّن يريدون تكبيله بالشروط المسبقة وبضمانات تشمل أي شيء سوى بناء الدولة وحماية ظهر الجمهورية.

 

وهكذا، فإنّ اللبنانيين يستعدون للسنة الجديدة من دون أن يكون هناك امل في اي خطوة ايجابية، فالتوتر قائم على وَقع المناكفات المستمرة بأسوأ مظاهرها وعلى اعلى المستويات، فيما لائحة الملفات العالقة تطول يوماً بعد يوم وليس هناك في الافق ما يَشي بإمكان مقاربة ايّ منها بأي شكل من الاشكال الايجابية التي تحيي الأمل في إمكان قيام دولة حلموا بها فأضاعتها مجموعة من المتسلّطين العميان قياساً على الرواية التي قالت «إن والدين فاقدين للبصر أضاعا ابنهما الوحيد أثناء البحث عنه». وعليه، هل هناك من يستطيع أن يتجاهل كل هذه الوقائع؟ وإن وجد رواية أخرى فليتقدم بها؟!