ينقل ثقات في بيروت عن ديبلوماسي غربي قوله لإحدى الشخصيات اللبنانية خلال لقاء اجتماعي، أنّ بلاده قررت «استضافة» خمسة آلاف لاجئ سوري من أصل نحو مليون ومئة ألف موجودين في لبنان.. في العام 2022!
استغرب السامع الأمر. وعبّر عن استغرابه بصفرة طويلة. متقطّعة وعلى مراحل. ثم أخذ نَفَساً وسأل بعباطة: «هل تعني أنّ الأزمة (النكبة) السوريّة ستستمر حتى ذلك الوقت»؟ ردّ الديبلوماسي مستغرباً الاستغراب المضاد، وعالج المصدوم صاحب الصفرة والسؤال بسؤال مضاد و«بسيط»: «ألم تبقَ حربكم في لبنان خمسة عشر عاماً قبل أن تبدأ مسيرة إنهائها»؟
لم يستطرد المصدوم اللبناني صاحب الصفرة أكثر. لكنه لاحظ مكرمة في خصال محدّثه الغربي تمثّلت في وضوحه واعتماده المباشرة بدلاً من التورية المألوفة في أداء أهل مهنته. كما رميه الكلام في سياق مختلف عن القوالب الكلامية الجاهزة والتركيبات اللغوية الثابتة والمعلنة في سياسات بلاده ومثيلاتها، وخصوصاً لجهة تكرار الحديث عن تأييد مساعي «الحل السياسي» والضرورات الأكيدة «لوضع حدّ لمعاناة الشعب السوري».. وفي أسرع وقت ممكن!
.. دخلت نكبة السوريين، على أيدي جلاديهم وجزّاريهم ومهجّرِيهم ومدمّري أعمارهم وإعمارهم وبلدهم وتاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم عامها السابع. ولا تقدّم خبريات البحث عن «حل سياسي» في جنيف، وتثبيت وقف النار في الآستانة، ما يدلّ على أنّه سيكون عامها الأخير! بل العكس هو الصحيح بما يعطي «استشراف» الديبلوماسي الغربي في بيروت صدقية كبيرة خصوصاً (وخصوصاً جداً) أنّ مناخات تتشكل على وقع تثبيت الستاتيكو القائم. أي التعامل مع الأرض كما هي: المعارضة في مناطقها بعد إتمام إخلائها من «داعش». والسلطة في «مناطقها» التي ستكون مرعيّة بالحضور الروسي (أكثر من الإيراني) حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا!
والمرجّح في ظل هذه المناخات، أن تشهد طبيعة الحرب متغيّرات كبرى. وان تطغى الدواخل على الخوارج. بحيث تتراجع المواجهات بين السلطة وأتباعها وحُماتها من جهة والمعارضة، من جهة ثانية، لتبرز بدلا عنها أكثر فأكثر، المواجهات النارية والسياسية، داخل مناطق الطرفين وصفوفهما.
لا جديد في ذلك بالنسبة الى المعارضة. فهي كانت ولا تزال منخرطة في قتال متعدد الجبهات والجهات. ضد السلطة وبقاياها. وضد الإيرانيين وميليشياتهم. وضدّ الروس ووحشيّتهم المسلّحة (وقبل الجميع) ضدّ الإرهاب بكل صنوفه. وفي هذا المعطى الأخير ستزداد وطأة النِزال ولن تخفّ طالما أنّ هناك «حربا عالمية على الإرهاب».
المرحلة الأصعب ستكون بعد إنهاء «داعش» في الرقّة! حيث «النصرة» بدورها مصنّفة إرهابية. وحيث انّ تداخلها في البيئة المعارضة أكثر تعقيداً بأشواط.. وحيث يستحيل وعن قصد أكيد في معظم الأحيان ومن قبل الروس أولاً ومن غيرهم ثانياً، التفريق في الاستهداف الناري، بينها وبين عموم أهل الثورة.
وبعد الرقة ستكون إدلب ودير الزور محور العمليات «ضدّ الإرهاب» سوى أنّ ذلك، هذه المرة، لن يكون تكراراً لما جرى في شرق حلب! التي (بالمناسبة) لم يسجّل فيها يوماً ظهور «داعشي» واحد!!
الجديد الخطير سيكون في مناطق السلطة وحُماتها. وعنوان ذلك صار يعرفه القاصي والداني والصغير والكبير، وإن لم يرَ أحد بعد شيئاً من تلك المعرفة على الأرض: إستهداف نفوذ إيران وأدواتها وخصوصاً «حزب الله»! الأسئلة عن كيفية ذلك، وبأي طريقة، ومن سيتولى تنفيذ «القرار»، لا تقلّ حدّةً عن «القرار» ذاته.. ولا تعني في المحصلة، سوى تأكيد استشراف الديبلوماسي الغربي في بيروت!