من الصعب التوصل إلى حلّ في اليمن. أقصى ما يمكن تحقيقه هو هدنة تسمح بتوفير ما يكفي من الوقت للتفكير في ما يمكن أن يكون عليه مستقبل البلد. هذا عائد قبل كلّ شيء إلى عدم وجود قوّة قادرة تستطيع الحسم على الأرض في موازاة الحملة الجوية التي تستهدف انتزاع البلد من براثن ايران من جهة، والتغييرات التي طرأت على المجتمع من جهة أخرى.
لا مفرّ من أخذ هذه التغييرات العميقة التي طرأت على اليمن في الإعتبار. اليمن الذي عرفناه إنتهى. هناك نهاية لليمنين. يمن ما قبل الوحدة ويمن ما بعد الوحدة. لذلك، كلّ كلام عن العودة إلى ما قبل الوحدة وأن ذلك كفيل بحلّ مشاكل البلد لا يستند إلى الواقع. الكلام شيء وما على الأرض شيء آخر.
ما الشكل الذي يمكن أن يكون عليه اليمن في المرحلة المقبلة؟. تصعب الإجابة عن هذا السؤال. هذا عائد إلى سبب في غاية البساطة يتمثّل في أن قوى جديدة ظهرت في الشمال حيث الزيود، فيما تغيّرت طبيعة المجتمع في الوسط الشافعي بتأثير الإسلام السياسي الذي هناك من لا يزال يراهن عليه للإنتصار على الحوثيين، أو أقلّه إعادتهم إلى حجمهم الطبيعي.
إضافة إلى ذلك، إنّ الجنوب الذي كان دولة مستقلّة صار شيئا آخر مختلفا كلّيا عما كان عليه قبل العام 1990، تاريخ إعلان الوحدة. يكفي للتأكد من مدى عمق التغييرات التي حصلت في الجنوب ملاحظة أن ما كان يسمّى الجيش الجنوبي بالويته المستقلة إنتهى إلى غير رجعة. لم تعد هناك ألوية يمكن إعتبارها قوّة عسكرية مستقلّة، كما كانت عليه الحال قبل 1994. سمح هذا الجيش للحزب الإشتراكي بالسعي إلى العودة عن الوحدة في العام 1994. لا يزال اليمن يدفع ثمن تلك المغامرة التي كلّفت الكثير، بما في ذلك الغاء الدور الإيجابي الذي لعبه الحزب الإشتراكي، حتى اندلاع حرب الإنفصال، في إيجاد توازن داخلي سمح بتطوير ما كان يمكن اعتباره بداية تجربة ديموقراطية قائمة على التعددية الحزبية. سمح موقف الحزب الإشتراكي الذي ما لبث أن أصيب باليأس من امكان تطوير التجربة بالوصول إلى اقرار دستور عصري نسبيا، وذلك على الرغم من كلّ المحاولات التي بذلها الإخوان المسلمون لادخال مواد محدّدة على الدستور لا تمت بصلة إلى التعددية الحزبية والديموقراطية من قريب أو بعيد.
بعد العام 1994 وسقوط المشروع الإنفصالي، لم تعد لمحافظات الجنوب علاقة بما كانت عليه في الماضي، أي في سنوات ما قبل الوحدة أو أيام الإستعمار البريطاني حين كانت عدن مدينة ذات رونق خاص، خصوصا بسبب انفتاحها على العالم وسيادة القانون فيها.
في الشمال، ظهر الحوثيون الذين يسمّون نفسهم الآن «أنصار الله». لا يمكن الإستخفاف بهذه الظاهرة التي حدّت من دور القبائل اليمنية. استطاع الحوثيون في خمس عشرة سنة تغيير المجتمع الزيدي والمجتمع القبلي في الوقت ذاته. مَن كان يتصوّر أن الحوثيين سيخرجون زعماء حاشد (آل الأحمر) من بيوتهم؟. مَن كان يتصوّر أنهم سيدمّرون معسكرات اللواء 310 في عمران تمهيدا لدخول صنعاء والسيطرة عليها؟.
هذا اللواء كان تابعا للإخوان المسلمين الذين ترتّب عليهم مواجهة الحوثيين ورجال القبائل في الوقت ذاته. كانت المفاجأة أن قسما من حاشد قاتل مع الحوثيين، كذلك فعل قسم كبير من بكيل التي تعتبر أكبر قبيلة في اليمن!.
في السنوات العشرين الماضية، أي منذ هزيمة المشروع الإنفصالي في اليمن، تغيّر البلد كلّيا. لا يمكن في الوقت الحاضر تجاهل ذلك. لم يعد هناك وجود لحلول معلّبة لليمن. لذلك فشل مؤتمر الحوار الوطني الذي استمرّ طويلا، بل أكثر مما يجب. الفشل ليس عائدا إلى أن ليس في الإمكان الرهان على الرئيس الإنتقالي عبد ربّه منصور هادي فقط. فشل المؤتمر أيضا لأنّ الكلام عن «دولة إتحادية ذات ستة أقاليم» يزيد التعقيدات تعقيدا ويفترض وجود سلطة مركزية قادرة على ترجمة ما يسمّى «مخرجات الحوار الوطني» على أرض اليمن.
بين 1978 و 2011، حكمت اليمن صيغة قامت على تحالف بين علي عبدالله صالح وقوى معيّنة اختلفت معه احيانا، لكنّها تحالفت معه في معظم الأحيان. في مقدّم هذه القوى كان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الذي توفي اواخر العام 2007. إنهارت تلك الصيغة يوم انتقل الصراع بين حلفاء الأمس إلى داخل اسوار صنعاء نفسها.
جاءت «عاصفة الحزم» لمنع اليمن من التحول إلى مستعمرة ايرانية تستخدم في تهديد الأمن الخليجي. هذا واقع لا مفرّ من الإعتراف به. لكن الواقع الآخر الذي لا يمكن تجاوزه أن اليمن دخل مرحلة المجهول في غياب القدرة على اجتراح صيغة جديدة في بلد تغيّر كلّ شيء فيه في الشمال والجنوب والوسط.
هذا ما يبدو أن السيد إسماعيل ولد الشيخ أحمد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة استوعبه جيدا. لذلك نجده اليوم في صنعاء مع هدف متواضع جدا. يتمثّل هذا الهدف بهدنة ولا شيء أبعد من ذلك.