لا يمكن إلّا العمل على كسر الحلقة المغلقة في اليمن. لذلك لم يعد من مجال آخر سوى الحسم العسكري الذي بات خياراً مطروحاً في ظلّ تصعيد واسع باشرته القوات التابعة للشرعية بمرافقة تغطية جويّة من التحالف العربي الذي يعمل تحت تسمية «إعادة الأمل». ففي ظلّ موازين القوى القائمة وفي غياب حسم عسكري يغيّر الموازين، لا يمكن لأي مفاوضات يمنية – يمنية ان تسفر عن أي نتائج ذات طابع إيجابي تفضي الى تسوية من أيّ نوع.
كلّ ما هنالك أن الحلف القائم بين الرئيس السابق علي عبدالله صالح والحوثيين، أي «انصار الله» سيحاول خلق وقائع على الأرض معتمداً على وجود تجربة «ناجحة» هي تجربة قطاع غزّة في ظلّ حكم «حماس». يمكن اعتبار هذه التجربة «ناجحة» من زاوية وحيدة هي ان «حماس» موجودة في موقع يسمح لها بالسيطرة الكاملة على غزّة منذ منتصف العام 2007.
هل يمكن تكرار تجربة «حماس» في قطاع غزة ونقلها الى اليمن، الى صنعاء والمنطقة المحيطة بها تحديدا؟
بعد اقلّ من سنة، سيكون في استطاعة «حماس»، وهي جزء لا يتجزّأ من حركة الاخوان المسلمين، الاحتفال بالذكرى العاشرة لطرد السلطة الوطنية من القطاع وفرض امر واقع، ليس ما يشير الى ان اسرائيل تعترض عليه. ظاهراً، تخوض إسرائيل حروباً مع «حماس». عملياً، تخدم هذه الحروب إسرائيل و»حماس» في الوقت ذاته، نظراً الى ان الهمّ الاول لإسرائيل التذرع بتلك الحركة وشبقها الى السلطة للتهرّب من أي مفاوضات جدّية تنهي الاحتلال في الضفّة الغربية. امّا «حماس»، فلا يهمّها نشر البؤس في قطاع غزّة المحاصر ما دام ذلك يضمن لها الاستحواذ على السلطة. هل إسرائيل أصلاً ضدّ افقار الفلسطينيين وجعلهم يصبحون شعباً متخلّفاً؟ ما مشكلة إسرائيل مع المجتمع الدولي عندما تكون «حماس» واجهة الشعب الفلسطيني واطلالته على العالم؟
في اليمن، تجسّد التحالف بين الرئيس السابق و»انصار الله» بقيام «المجلس السياسي الأعلى» الذي يطمح الى حكم اليمن او قسم منه، خصوصاً صنعاء وشمال الشمال. تشكل المجلس من ممثلين للجانبين وأعاد الحياة الى مجلس النواب السابق الذي يقف على رأسه يحيى الراعي وهو من القريبين من علي عبدالله صالح. ضمّ المجلس شخصيات جنوبية وأخرى من تعز، فضلاً بالطبع عن ممثلين لمناطق في الشمال، بينها مأرب.
بغض النظر عمّا اذا كان هذا التحالف قابلاً للحياة ام لا، هناك واقع يحاول الجانبان فرضه على الأرض. ما يمكن ان يحول دون فرض هذا الواقع هو تغيير موازين القوى، بما يجعل الجانبين المتحصنين في داخل صنعاء يعيدان النظر في موقفهما والعودة الى طاولة المفاوضات في ظل رغبة في الخروج من المأزق الذي يعاني منه اليمن واليمنيون.
ترافق الاعلان عن فشل المفاوضات اليمنية – اليمنية التي استضافتها الكويت مع تصعيد عسكري. حقّقت القوات التابعة للشرعية تقدماً في منطقة نهم الاستراتيجية، وهي منطقة جبلية لا تبعد كثيراً عن صنعاء صعبة على الجيوش. ترافق ذلك مع اشتباكات في الجوف وفي تعز وتصعيد في اتجاه الحدود السعودية. في نهاية المطاف، اذا استثنينا ما حصل في نهم، حيث سيطرت الشرعية على تلّة استراتيجية في غاية الاهمّية، إضافة الى تقدّم في اتجاه صنعاء من محاور معيّنة، لا يمكن الكلام عن تغيير كبير على الأرض، اقلّه الى الآن. هل يمكن ان تحمل الايّام القليلة المقبلة جديداً؟ ليس ذلك أمراً مستبعداً في وقت بدأ التحالف العربي الذي يقود «عاصفة الحزم» و»إعادة الأمل» يدرك ان المطلوب كسر الحلقة المغلقة في حال كان الهدف الخروج من صيغة التفاوض من اجل التفاوض التي تخدم «أنصار الله» أوّلاً.
لعبت الكويت بقيادة امير الدولة الشيخ صُباح الأحمد دوراً مشكوراً في مجال السعي الى الخروج من المأزق اليمني. لكنّه تبيّن ان لا شيء يمكن ان يؤمّن مخرجاً غير الحسم العسكري او تلبية مطالب محددة لعلي عبدالله صالح والحوثي. تختزل تلك المطالب الشراكة في السلطة الجديدة عن طريق حكومة وحدة وطنية وتعديل القرار 2216 الصادر عن مجلس الامن التابع للأمم المتحدة تحت الفصل السابع. تضمن هذا القرار فرض عقوبات على شخصيات يمنية معيّنة من بينها قيادات حوثية والرئيس السابق ونجله احمد الموجود خارج اليمن منذ فترة طويلة.
هل الحسم وارد؟ تصعب الإجابة عن هذا السؤال. سيبقى الكثير مرتبطاً بما كانت قوات الشرعية قادرة على تشكيل جيش كبير وفعّال يستطيع الوصول الى صنعاء بغطاء تؤمّنه «عاصفة الحزم» و»إعادة الأمل».
لكن من السهل الإجابة عن سؤال آخر مرتبط بإيجاد صيغة تضمن عودة الشرعية الى صنعاء مع تعديل القرار الصادر عن مجلس الامن وتشكيل ما يسمّى «حكومة وحدة وطنية». الجواب، بكل بساطة، ان هذا الخيار ليس وارداً. ولذلك، لن تكون مفاوضات حقيقية من دون حسم عسكري يعتمد على امرين. الاوّل استمالة القبائل التي في محيط صنعاء والآخر قدرة الفريق علي محسن صالح نائب رئيس الجمهورية على تشكيل جيش كبير يستطيع الانتصار على الحوثيين وعلى القوات التي لا تزال موالية للرئيس السابق.
يأمل مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ احمد بعودة اليمنيين الى طاولة المفاوضات في غضون شهر. لن تكون لهذه العودة، في حال تحقّقت، فائدة تذكر ما دام الوضع الراهن قائماً… وما دام «خيار غزّة» متوافراً لعلي عبدالله صالح والحوثيين. لا شكّ انّ «عاصفة الحزم» حقّقت نجاحاً كبيراً على صعيد تحطيم المشروع الايراني في اليمن. حالت العملية العسكرية التي قادتها المملكة العربية السعودية دون سقوط اليمن في يد ايران. هناك مناطق كثيرة خرجت من تحت سطوة الحوثيين الذين كانوا يريدون البقاء في عدن وباب المندب. كذلك، لعبت قوى عربية دورها في مجال اخراج «القاعدة» من المكلا، عاصمة حضرموت. لكن ما الذي يضمن استكمال الجانب الآخر من «عاصفة الحزم»، أي تحقيق حل سياسي في اليمن؟
ثمّة حاجة الى قوّة يمنية تؤدي هذا الغرض وتوصل الى هذا الهدف. في غياب ذلك، سيظل «خيار غزّة» مطروحاً مع ما يعنيه ذلك من مزيد من الغرق اليمني في البؤس والفقر والتفتيت… في مرحلة ما بعد الصوملة التي يشهدها البلد الذي يبدو الحل السياسي فيه مؤجلاً الى اليوم الذي تتغيّر فيه موازين القوى القائمة على نحو جذري.