تبدو التطورات الاخيرة في اليمن التي مكنت تحالف الدول الخليجية من تحقيق تقدم ميداني ملموس بتحرير عدن من سيطرة الحوثيين، بالنسبة الى مصادر سياسية متابعة، عامل فرملة نسبية للتوقعات التي رسمت آفاقاً فورية متسرعة بعض الشيء للمنطقة على وقع الاتفاق النووي بين الدول الغربية وايران. فالمردود المباشر للاتفاق والذي ترجم او ظهر بالتزامن مع اعلانه، شكل محاولة للجم الطموحات والقدرات الحوثية ومن ورائها الطموحات الايرانية في اليمن قياساً على الاقل بالتصريحات والحملات العنيفة التي شنت على المملكة العربية السعودية لاطلاقها عاصفة الحزم ضد تمرد الحوثيين وتوقعت الفشل الذريع لها. ومعلوم ان الاتفاق لعب دوراً مباشراً في اطلاق المعركة ضد الحوثيين بالتزامن مع الاعلان عن التوصل الى اتفاق اطار للنووي الايراني كما لعب دورا في ابراز تقدم مهم لهذه المعركة مع الاعلان عن صيغته النهائية. وهذا المؤشر وحده ينبغي بالنسبة الى سياسيين متابعين ان يلجم نوعا ما التوقعات او السيناريوات التي تدفع بالامور في اتجاه واحد وحيد بالتزامن مع تجاهل جملة عوامل متداخلة في المنطقة المفتوحة على تطورات مفاجئة وغير مرتقبة في كل لحظة كما في المؤشر الذي تمثل باتاحة تركيا للولايات المتحدة استخدام قاعدة عسكرية على اراضيها وشن الطائرات التركية غارات ضد مواقع لتنظيم الدولة الاسلامية على الأراضي السورية.
والى هذا التطور العملاني المتصل بالوضع في اليمن، برزت مساعي الادارة الاميركية الى العمل على مسارين متوازيين في محاولة تهدئة الاعتراضات الخارجية لحلفاء الولايات المتحدة على الاتفاق اولا من اجل تخفيف التوتر في العلاقات التي اثارها الانفتاح على ايران وثانيا تمهيدا لبدء الكونغرس الاميركي مناقشة الاتفاق وبحثه من اجل عدم تأثير حدة المواقف الخارجية للحلفاء الاقليميين على الداخل الاميركي. فزار وزير الدفاع الاميركي آشتون كارتر اسرائيل والمملكة السعودية الى جانب الاردن واطلق مواقف حاول التأكيد فيها عدم تبدل تساهل الولايات المتحدة ازاء ما يقلق الدول الحليفة في المنطقة من ايران. فيما يستعد وزير الخارجية الاميركي جون كيري للقاء وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الثالث من الشهر المقبل من اجل البحث في سياسة تساهم في صد ” التحركات التي تدعمها ايران في دول اخرى “استكمالا لمسعى الادارة الاميركية لتمرير الاتفاق النووي في الكونغرس الاميركي وتخفيف مفاعيل اعتراضه على الرأي العام الاميركي. وتمثل هذه المساعي فرصة بالنسبة الى الدول الحليفة لواشنطن من اجل رفع سقف مطالبها من اجل دعمها والوقوف الى جانبها والحصول على ضمانات اضافية في الصراع السياسي القائم في المنطقة في هذا التوقيت ما دام الرئيس الاميركي في موقف دفاعي عن الاتفاق وسيبقى لبعض الوقت وربما الى نهاية ولايته. ولا يبدو ان مواقف مرشد الجمهورية الايرانية علي خامنئي الاخيرة التي القاها في مناسبة عيد الفطر معتبرا ان “الاتفاق لن يغير في سياسة بلادنا في مواجهة الادارة الاميركية المتغطرسة ولا دعمنا لاصدقائنا في المنطقة…” كان مساعداً للادارة الاميركية الراغبة في الحصول على موافقة الكونغرس او الساعية الى طمأنة حلفائها في المنطقة حتى لو انه كان لموجبات استيعاب رد فعل المتشددين في ايران. اذ بدا ذلك وعلى غير ما عبر عنه الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف محرجاً لهذه الادارة ولو ان الرئيس اوباما اكد مرارا انه عمل على اتفاق نووي وليس على أي امر اخر مع ايران. الا ان السلوك الايراني العدائي من شأنه ان يزيد الضغوط على الرئيس الاميركي من اجل التشدد في مواقفه ازاء ايران كما ازاء سلوكها في المنطقة خصوصا انه تبين له ان الاتفاق النووي لا يمكن ان يكون مستقلا عن جملة مسائل في المنطقة، ومن هنا اصراره على طمأنة حلفائه والعزم على تقويتهم. ومن هذه الزاوية ايضا يرى متابعون كثر التطورات الاخيرة في اليمن وكذلك ادراج مسؤولين في “حزب الله” على قائمة الارهاب والتذكير بوضعية الحزب كمنظمة ارهابية في بيان محدد اي ان التشدد الايراني المعلن في ظل الضغط الخارجي والداخلي على حد سواء على اوباما سيجعل الوضع صعبا امامه لتطبيع الوضع مع ايران بالسرعة التي يعتقدها البعض او للتسليم لها من خلال مزيد من انسحابه من المنطقة، وهو السبب الذي يرى كثر ان هذا الانسحاب سيكون مناسبة اضافية لايران لتأكيد توسع طموحاتها قبل وصول ادارة جديدة .
وثمة دعوة الى انتظار الاشهر المقبلة قبل الجزم بدور متقدم لايران على طاولة المفاوضات في جنيف 3 او ما شابه بالنسبة الى سوريا على سبيل المثال. اذ ان الافعال المتطرفة من جانب المتشددين في ايران قد تساهم في اثارة صعوبات حقيقية امام ادارة اوباما الذي استفادت ايران من وجوده في الرئاسة الاميركية ومن سياسته بالانسحاب من المنطقة ورغبته الكبيرة في انجاز تاريخي يسجل له بانهاء العداء معها. الا ان ذلك لا ينفي الرهان في الوقت نفسه على متغيرات في الداخل الايراني لمصلحة الاعتدال الذي قال الرئيس روحاني قبل ايام قليلة في معرض دفاعه عن الاتفاق ان هذا الاخير يمثل صفحة جديدة في التاريخ فتحت لدى انتخابه العام 2013 مشيراً الى ان الايرانيين سعوا الى انهاء العقوبات وفي اتباع سياسة الاعتدال”.