اليمن من الوحدة إلى الانقلاب (الأخيرة)
هل اليمن في مأزق أم أمام مخرج للحل؟
يكتسب عنوان هذه الحلقة مشروعيّته من كون الحرب العامّة اليمنيّة دخلت عامها الثالث، ومن كون الأزمة العامة اليمنية متطاولة منذ عقود؛ ما يشجّع على التفاؤل هو أنّ الأزمة اليمنيّة ما زالت في أيدي أهلها، تعقيداً أم حلاًّ، قياساً على ما جرى في بلدان عربية أخرى كسوريا أو مرشّحة لهذا الوضع السيّئ مثل ليبيا… وأطراف الأزمة معروفون تماماً، والشرعية ليست مجهولة المكان والهويّة. وحجم التدخّل الخارجي (العربي على وجه الخصوص) محكوم للشرعية الدولية الحاضنة للحل بل هو جزء من هذه الشرعية. أما التدخّل الإيراني فله سقف وحدود، ليس مستحيلاً تجاوزه ولكنّه شديد العسر والتعقيد..
بعد مدَّة يصعب تحديدها بلا مجازفة، سوف يحتاج اليمنيّون في ظل الرعاية العربية والدولية الى مؤتمر مكمل للحوار، يستكمل ما لم ينهِهِ المؤتمر الشامل السابق، ولكن في ظل ظروف جديدة أكثر مؤاتاة، أي إن طرفاً من أطراف الحوار، وبالتحديد تحالف صالح – الحوثي يكون قد اختبر وبتكلفة عالية خيبة الاحتكام للانقلاب والسلاح. مسألة المحاسبة على ما مضى شأن يقرّره اليمنيون.
على هذا الحوار أن يراعي سلامة الحل لقضيّتي الجنوب وصعده، ضمن مراعاة مصلحة عموم الوطن.. وضمان إصلاحات تستكمل وترسّخ قوام دولة غير منقوصة السيادة، تبسط سلطتها الكاملة على إقليمها الوطني (بالمعنى الجغرافي) وتنبثق ديموقراطياً عن إرادة الشعب اليمني.
مهما طال أمد الحرب في اليمن، ولكن في المحصلة سوف يكون هناك رابح وخاسر، وعلى الأرجح الربح سوف يتم بالنقاط وليس بالضربة القاضية وإذا صحّ هذا التوقع، فسوف يكون الأقل تكلفة إنسانياً.. وسياسياً، وهو بالتأكيد الأنسب للبلاد التي تعاني المآسي المتعددة العناوين والأشكال منذ عقود طويلة؛ وحرب النقاط سوف تترك جراحاً أقل في مجتمع ما زالت النزعات القبلية والعشائرية تحتل حيزاً معتبراً؛ كما أن النزعات المذهبية رغم التعايش المسالم الذي امتد لقرون، ما زالت فاعلة في التعبئة والانحيازات وقد بلغت، في السنوات الأخيرة، شأواً من التأزم، نادراً ما شهدته البلاد سابقاً. ولكنّ في اليمن أيضاً نخباً معتبرة، قديمة وحديثة من مشارب ومناطق متعددة، لعبت في الماضي ويمكن أن تلعب في الحاضر أدواراً مهدئة وتصالحية إيجابية، ومن المرجح أن يكون صوتها مسموعاً أكثر بعد هدوء صليل السلاح.
وسوف تنجلي الحرب، عن مشهد سياسي تحضر فيه كافة القوى السياسية التي حضرت قبل الحرب، بصرف النظر عن درجة انخراطها الفعلي والفاعل فيها؛ القوى كلها ستكون حاضرة في المشهد؛ وربما ستضاف إليها قوى أخرى، لعبت أدواراً، لم يتم إلقاء الضوء عليها، ليس في الحرب، بل في ظل الحرب.. وسوف يكون اليمن بالتأكيد أمام مؤتمر جديد للحوار، يشكل امتداداً للمؤتمر الذي سبقه وليس تجاوزاً له، وسوف ينكب على القضايا ذاتها عملياً: الإصلاحات السياسية والإدارية والمالية والحوكمة الرشيدة الخ، وسوف يحمل الأفرقاء أنفسهم، وربما سواهم أيضاً، إلى المؤتمر المكمَّل ما جنوه من خبرة الأيام البالغة العسر، ولعلها خبرة تخفيف الغلواء وغياب المراهنة على عوامل خارج قاعات المؤتمر من بدائل تكون قد أظهرت كلفتها الباهظة وتهافتها، من نمط السطو على السلطة بقوة السلاح. وسوف يكون بالتأكيد من ضمن هذا المؤتمر توضيح وتصويب ما فاته تصويبه وتوضيحه في ظل الالتباسات وبعض الرهانات الخاطئة.
لكن يسود الاعتقاد مع ميل إلى الجزم، بأن وسط هذا الحشد من القضايا التي سوف يكون على اليمنيين معالجتها، مسألتان مفصليتان، او قضيتان وهما ما سمّي «قضية الجنوب» و»قضية صعدة». ولا بد من الحرص، في اطار هذا الملف على ابرازهما، وإبراز الاهتمام الخاص الذي أولاه لهما «مؤتمر الحوار الوطني الشامل»، كنقاش ومخرجات وان نقاشهما المستفيض تم بحضور خبراء دوليين ومن الأمم المتحدة، أسوة بقضايا أخرى بطبيعة الحال. ورغم الإجماع بشأنهما من حيث الخطوط العريضة، وخصوصاً جانب المظالم التي لحقت بالمنطقتين، فقد كان على المؤتمر ان يشكل لجنة خاصة برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي وفوضتها باقتراح ما يناسب القضيتين بما ينسجم مع المصلحة الوطنية العامة. وقد انجزت اللجنة مقترحها وفق التكليف والتفويض. ولكن قبل ان يجف حبر المقترحات، بدأت الاعتراضات من قبل الجنوبيين سياسياً وسلمياً، ومن قبل بعض الشماليين بالرهان على السلاح ووهم القدرة بالسيطرة على عموم اليمن بالقوة ليس فقط من حيث مضمونها ورصفها ضمن الاقاليم الستة المقترحات للبلاد، بل أيضاً من زاوية قانونيتها على اعتبار ان المؤتمر لم يَعد للالتئام للموافقة عليها.. وللطرفين «الجنوبي» و»الصعداوي» حججهما ودوافعهما بطبيعة الحال:
فالجنوبيون يمكن تصنيفهم، على غير وجه من الدقة، ضمن تيارات ثلاثة: (1) تيار تغييري يقبل فكرة الاقاليم بوجه عام، ويطالب بالتركيز على الاصلاحات في هياكل الدولة وفق مخرجات الحوار الوطني (2) تيار يطالب بحق «تقرير المصير» يقرر فيه الجنوبيون مسألة بقائهم من عدمه داخل اطار اليمن الموحد (3) تيار يعلن رغبته في الانفصال والعودة بالجنوب إلى وضعه القانوني السابق تحت مسمى «جمهورية اليمن الديموقراطية». التيار «الانفصالي» يبني على أمور عديدة لعل أبرزها أمرين:
1- الخيبات والمرارات التي راكمها الجنوبيون خلال ما ينوف على العقدين، وقد وردت آنفاً في سياقات مختلفة، ولا ضرورة لتكرارها، خصوصاً أن المؤتمر الوطني للحوار قد أقر بجوهر ما يشكوه الجنوبيون، واعترف بخصوصية قضيتهم وأفرد لها حيزاً خاصاً في جدول أعماله ومخرجاته.
2- يستشعر الجنوبيون، والحديث هنا عن التيار الداعي للانفصال، وبعد تجربتهم الوحدوية غير الناجحة مع الشمال، ان المحافظات الجنوبية تملك المقومات الكافية التي يمكن ان تستند اليها لإحياء دولة الجنوب. فعلى الصعيد الاقتصادي في محافظتي شبوه وحضرموت ثروة نفطية واعدة بإمكانية استكشافات جديدة، وبنية تحتية قابلة للتطوير في خدمة استغلال النفط وإدراجه في اقتصاد البلاد، وتملك ثروة سمكية وافرة على شاطئها الطويل، وقد راكمت قبل الوحدة تجربة جيدة في تحديث وسائل الاصطياد وبعض التصنيع المرتبط به، وخبرة في تنظيم الصيادين في تعاونيات كانت فاعلة؛ وهي إذا كانت تعاني شحّ المياه مثل معظم أنحاء اليمن فهي بنت السدود الزراعية في عدد من المحافظات، بعض الزراعات فيهما، للصناعة مثل القطن، وهي زراعة لا توفر الاكتفاء الذاتي ولكنها توفر فرصاً لجزء من القوة العاملة، كما أنها حدَّت من زراعة القات واستهلاكه، هذه الزراعة التي تستهلك 30% من الثروة المائية في اليمن. وهي بساحلها الطويل ومعالمها وجزرها وخصوصاً جزيرة سقطرى، يمكن ان تتحول الى مركز جذب سياحي مهم في حين استقلت هذه المحافظات واستقرت، وتملك موانئ وخبرة عريقة في الخدمات المقدمة للسفن وميناء عدن ليس الوحيد في البلاد، وهو أكبر موانئ اليمن، ويصنف متقدماً على قائمة الموانئ العالمية.. ويعتقد العديد من الجنوبيين ان قواهم السياسية تعلمت من اخطاء ما قبل الوحدة ومن تناحراتها الداخلية وتراهن على عدم تكرارها الخ، ثم ان موقعها المميّز عند بحر العرب وعند مدخل البحر الأحمر (باب المندب) يجعل منها مركزاً لاهتمام قوى دولية عديدة تستشعر ان لها مصلحة في اقامة علاقات معها على قاعدة المصالح المشتركة..
ويدرك القارئ ان ليس من وظيفة هذا الملف مناقشة أصحاب الرأي «الانفصالي» في الجنوب في آرائهم، فهم جزء من أصحاب القضية، ومن حقهم ان يطرحوا ما يعتبرونه خيراً وحقاً لشعبهم، خصوصاً أنّهم يدعون حتى الآن الى حراك سلمي وعمل ديمقراطي.. لكن هناك مشروعيّة محقّة في طرح تساؤلين: الأول يتعلق بهل يحق لقسم من الشعب اليمني بإلغاء التعاقد مع القسم الآخر منه ونسخه من جانب واحد وهذا أمر يرتبط بالقانون الدولي وبالبيئة السياسية الدولية والاقليمية فضلاً عن الداخلية طبعاً. والثاني، ألا يخشى هذا التيار في ضوء تجارب ما قبل استقلال الجنوب عن البريطانيين وبعده، وما يتسرّب أحياناً في وسائل الاعلام عن نزعات انفصالية مناطقية في الجنوب، والكلام عن عصبيات محلية، وبعضه يتكلم عن «عصبية حضرمية» أو «عصبية شبوانية» أو حتى عن «عصبية عدنية».. وهذا مع الأسف يحمل في طياته مخاطر إيقاظ عصبيات كامنة أخرى ويغذيها.. وهذا لا يأتي في إطار التبشير بالسوء ولكن في سياق الإضاءة على مخاطر.. فماذا عن قضية صعده؟
لقد حظيت «قضية صعده» كما «القضية الجنوبية» باهتمام خاص في مجرى عملية الحوار الوطني الشامل، وفي مخرجاته، وهذا ما حاول الملف إبرازه، وبالحجم الذي يبدو ضرورياً. لقد أقرّ المؤتمر بمظلومية التهميش السياسي والاقتصادي – الاجتماعي للمنطقة، وكانت الامور أكثر عسراً في ما يخص المسؤولية عن حروب صعده الستة بين نظام صالح والحوثيين، وحصلت سجالات مريرة في المؤتمر بين ممثلي الحوثيين وممثلي حزب المؤتمر الشعبي الذين كانوا حزب السلطة الرئيس ابان «حروب صعدة». وتبرز آثار هذا السجال في نصوص بعض مخرجات الحوار الخاصة بقضية صعده، وهي لا تخفى على مَن يتابع بدقة الواقع اليمني. قبيل المؤتمر، كان الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي قد قام بخطوة إيجابية ذات رمزية، عندما أمر بتسليم جثمان حسين الحوثي (شقيق عبدالملك) ليدفن بشكل لائق، وأرسل موفداً باسم الرئاسة ليحضر التشييع الرسمي، وهذا ما خلق جواً من الارتياح بين السلطة الجديدة وأبناء صعده، ولكن تسارع الأحداث، وانتقال الحوثيين إلى العمل المسلح الهجومي انطلاقاً من صعده إلى.. كما مرّ ذكره، جبَّ ما قبله من أجواء إيجابية كانت قد بدأت بالتشكل بين الحوثية والسلطة الانتقالية الجديدة، والبقية معروفة.
ولكن يتوجب القول ان الضبابية تحيط بأهداف الحوثيين أو أحلامهم أو «أوهامهم» كما يقول بعضهم. فهم لم يعبروا صراحة، عن رغبة في الانفصال في مناطق معينة عن عموم الوطن اليمني المعترف به، أو على الأقل، عن اطار ما كان يُعرف بالجمهورية العربية اليمنية، ويبدو أنّ مشكلة الحوثيين تكمن في أنهم أقليّة ضمن أقليّة، هذه نقطة قوتهم وضعفهم على السواء؛ نقطة قوة في القدرة على التعبئة، والخبرة فيها، ونقطة ضعفهم لأنها كشفت عن حدود هذه القدرة وهذه الخبرة في الامتحان الواقعي اليمني. فهم ببرنامجهم المثقل بالخصوصية والمحلية، وعندما ينجحون بإقامة تحالفات، فهي تحالفات ظرفية، لا تملك أفق أن تتطور إلى أبعد من ذلك. وهم عندما سيطروا على المحافظات الشمالية – الغربية ووصلوا إلى صنعاء وشكلوا لجنتهم «الثورية» بقيادة محمد علي الحوثي، أرسلوا رسالة فصيحة برغبتهم في السيطرة على عموم اليمن، وعندما تحالفوا مع الرئيس السابق صالح، كان التحالف ظرفياً حيث كل طرف يضمر شراً للآخر ويعتقد أنه يوظفه في خدمة مشروعه.. وتتكاثر الآن الاشارات بشأن الحساسيات والتناقضات بين الفريقين.. وعندما اندفع الحوثيون باتجاه الغرب والجنوب، لم ينجحوا في أن يعقدوا أكثر من تحالفات ظرفية مع بعض الطرق الصوفية في تعز وحضرموت.. تلك الطرق التي لديها حسابات تصفيها مع بعض التيارات السلفية.
وأما بالعودة إلى صعده التي يعتبرها الحوثيون معقلهم، ومعها المناطق الزيدية الشمالية – الغربية، فيعرف «أنصار الله» أن المشكلة أكثر تعقيداً مما يقدمه اعلامهم والاعلام الحليف، أو أقل تبسيطاً ما يقدمونه. هل هم «إماميون إثنا عشريون» كما يوحي الإعلام الصديق لهم، الذي يخلط، عمداً ربما، بين تحالفاتهم السياسية وحالتهم العقيدية…؟ وفي إطار هذا الملف تكفي الإشارة الى هذه المسألة، ليس من باب الاعتراض على حق «أنصار الله» في أن يكونوا ما يشاؤون من حيث العقيدة الدينية والمذهبية، وإنما لسببَين وجيهين، لم يكن الوجل من إثارة الحساسيات من بينهما: السبب الأول يرتبط بطبيعة الملف التي تدفع إلى تجنّب الخوض في قضايا كثيرة مهمة بذاتها، ولكنها، في غير سياقاتها المحكمة، تتحول إلى استطرادات مُربكة ومشوشة.. وأما السبب الثاني وهو الأهم، أنه من الظلم والتجنّي تناول موضوع معقد بكلمات قليلة. فهو ملف يمتد من الزيدية العقدية والسياسية مروراً بمدارسها العديدة من الجارودية إلى الإمام الشوكاني إلى ما بينهما وما بعدهما.. وهذا يستحق بحثاً مستقلاً ووافياً.. وفي عودة إلى موضوعنا نرى انه سيكون على «أنصار الله» أن يتعاطوا، حتى مع وسطهم الزيدي بكثير من الحكمة والتبصر ليروا إلى تعقيداته كما هي، وليس كما يتصورونها في قعقعة السلاح والمشاعر المستنفرة. فهناك عائلات أو بيوتات زيدية عريقة، وهي لا تقتصر على آل حميد الدين أو المتوكل أو الوزير، لا ترى، بالضرورة رأيهم في شؤون العقيدة والسياسة.. ثم أن هناك تعقيدات من طبيعة قبلية سيصطدمون بها لا محالة داخل تجمع قبائل بكيل، كما في العلاقة بين هذا التجمّع وتجمع قبائل حاشد؛ وكل من يتابع الشأن اليمني، يتذكر بدون شك خطوط انقسام والتقاء القبائل بعد قيام ثورة أيلول/ سبتمبر عام 1962.
أما المشكلة الأكثر جدّية ومباشرة التي على «أنصار الله» مواجهتها بحنكة وروية وبرغماتية، وهذا في حال تأهل اليمن إلى العودة إلى مسيرته السياسية كخيار وضرورة، هو موضوع السلاح، والمقصود بطبيعة الحال ليس السلاح الفردي المنتشر وربما يجعل من اليمنيين أكثر شعوب العالم اقتناءً له، بل السلاح الثقيل والمتوسط، ولن يكون مقبولاً من الغالبية العظمى لليمنيين، ومن بلدان الجوار ومن المجتمع الدولي، وبالتالي لن يكون مقبولاً وجود قوة عسكرية منظمة موازية للقوى العسكرية والأمنية الشرعية.. كما ان حل هذه المشكلة معطوف على الانخراط في حل عادل ونزيه لكافة ذيول الحروب السابقة ومن ضمنها الحرب الجارية. وأغلب الظنّ أن أبرز المواضيع التي سوف تكون مطروحة على جدول أعمال الحوار الشامل القادم، أو الحوار الاستلحاقي بلغة الامتحانات الرسمية، سوف يكون موضوع الاقاليم والتداول في شأن زيادتها أو نقصانها، أو التعديل في بنية كل منها بروح العدالة والحرص على الجميع.
وفي ختام هذا الملف، لا بدّ من إبداء الملاحظات السريعة التالية:
– لقد غاب عن هذا الملف موضوع التنمية في اليمن الذي لسنا بحاجة لإظهار أهميته المركزية، وأحد الأسباب الملحة (وليس أهمها)، أن الكلام عن التنمية في ظل الحرب وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، والاعتداء على مراكز الدراسات والأبحاث والتهجير والمآسي يصبح الهمّ الطاغي لليمنيين والمهتمين بشأنهم، هو كيفية المساعدة على ممارسة البقاء.. ولذا فهو ملف مؤجّل وليس منسياً..
– ما سوف يطرح نفسه وبقوة بعد الحرب هو إعادة بناء البلاد وتوفير شروط التنمية المستدامة فيها، المسألتان مترابطتان بطبيعة الحال، وللجوار الطبيعي لليمن دور حاسم فيهما.. لقد سبق لسلطنة عُمان أن اقترحت، في مجرى الأزمة، شكلاً من أشكال الارتباط لليمن بمجلس التعاون الخليجي، ولا ندري ما هي الصيغة التي سيختارها اليمن المتحرر من الحرب مع بلدان المجلس وهذا شأنه وشأن بلدان الخليج؛ فقط الهدف التأكيد على أهميتها الكبيرة للطرفين ومن كافة الأوجه.
– مع التقدير الحقيقي لمشاعر الشعب اليمني الوطنية، تجدر الملاحظة، في ضوء تجربة اليمن وسواه، أن الوطنية وكذلك المشاعر القومية، لا تبنى فقط على التاريخ الحقيقي أو المتخيّل، كما ليس على الإرادوية الذاتية، بل خصوصاً على عقلانية الاكتشاف الدائم للمصالح المشتركة وسبل تنميتها بحيث يصبح الفكاك من شبكتها لا يرتهن لمزاج أفراد وجماعات أو مصالح فئوية فرعية، وضمان ذلك ذو أوجه كثيرة ليس اقلها التنمية العادلة والمتوازنة في ظل الديموقراطية والحكم الرشيد.
وملاحظة أخيرة بشأن النظام الفدرالي، بالأقاليم الستّة التي خرج بها مؤتمر الحوار؛ هناك من بين السياسيين مَن يعتقد أنّ الفدرالية لا تصلح للبلدان المتخلّفة حيث تتّصف الدولة بالهشاشة وبجملة من الأمراض تطرّقنا الى بعضها في الحالة اليمنيّة. هذا رأي يستحق النقاش، ولكن الواقع الدولي لا يبرّر تماماً هكذا نظرة فهناك بلدان إنبنت على أسس فدرالية قبل أن تتطوّر اقتصادياً واجتماعياً.. وتبني دولاً راسخة، المهم هو الوضع الملموس في اليمن، ومن يدقق بموضوعات الحوار وبخاصة بصدد القضية الجنوبية يلاحظ أنّ المؤتمر حاول أن يجيب عن أسئلة مهمة، من نمط المناصفة في التمثيل خلال الفترة النيابية الأولى التي تلي إقرار الدستور ثم إعطاء ضمانات من خلال إعطاء حقوق وفقاً لنسبة الأرض والسكان وإعطاء حق الفيتو للأقاليم في القضايا التي تمسّ قضاياها الحيويّة.. كما أنّ مسألة تركيب الأقاليم ليست مغلقة أمام المزيد من الحوار على ما نظن. المهم الخروج من الحرب وبلورة إرادة وطنية ترى الى المصالح الفرعية والفئوية المشروعة في ضوء المصلحة الوطنية الجامعة التي ترتد، في المحصلة، إيجابياً على هذه المصالح الفرعية والفئوية.