IMLebanon

اليمن… بوابة مصير المنطقة

دخلت المنطقة في داومة الصراعات المذهبية، الطائفية، والجيوبوليتيكية، وعلى ما يبدو أنّها ستطول. صراعات أصابت المنطقة، وأدخلتها في حروبها الأهلية، حيث يتقاتل فيها أبناء الوطن الواحد، الموجّهين من مجموعة الدول التي تفتّش عن مصالحها، على حساب تقسيم المنطقة، وضرب كيانها، وتشريد أهلها في أصقاع العالم.

الحرب الدائرة في اليمن لم تكن وليدة الصدفة، وليست آنية. بل اندلعت الحرب فيها عام 1962، بين الموالين للمملكة المتوكلة، وبين الموالين للجمهورية العربية اليمنية. لم تبق حربًا أهلية، بل انطلقت كشرارة أشعلت المنطقة بأكملها، خصوصاً وأنها تحمل في طياتها رسائل إقليمية، حددت وجهة الصراع الأساسي في المنطقة، وهو صراع بين إيران وما تمثّله، والسعودية وحلفائها.

تعاني منطقة الشرق الأوسط، اضطرابات وصراعات تتزاحم للفوز بكرسي الرئاسة الذي حلم به كثيرون، ليتجسّد الصراع على السلطة، ويتجلّى بأبهى صورة له في اليمن، التي التهبت مفاصلها منذ القدم. شهدت الدولة حروباً استمرت على مدى نصف قرن من الزمان، علت فيها وتيرة الأعمال العسكرية والعدائية بين جميع أطرافها، ولعبت الدبلوماسية أداوراً أخرى. إلّا أنّ غياب التنازلات وإعلاء المصالح الشخصية قسّم أرجائها إلى دويلات مصغرة.

وسط هذه الصراعات، تدخل اليمن في داومة التقاتل بين الحوثيين وفريق السلطة المتمثّل في السنّة، هذا في الظاهر. أمّا في الباطن، فهي حرب إقليمية مدعومة من دول كبرى حليفة لها، تهدف من خلالها:

– المملكة العربية السعودية حاملة لواء منع التمدّد الإيراني في المنطقة، ضرب أهدافها وضبط الموالين المتواجدين لها في الدول. فاليمن تشكّل الخاصرة الرخوة للسعودية ولدول الخليج تحديداً. وإنّ السماح للحوثيين بالتمدّد، واستلام الحكم في اليمن، سيعني ضرب الأمن والسلم في المملكة

وجوارها.

هذا ما تؤكّده الحرب التي دارت على الحدود السعودية. ففي 16 آذار 2015 أعلنت السعودية بدء عملية عاصفة الحزم لاستعادة الشرعية في البلد بمشاركة العديد من الدول الخليجية، وتقديم المساعدة اللوجستية من الولايات المتحدة الأميركية.

– إيران، وحلمها التوسعي في المنطقة، والتي تعمل على دعم المجموعات الشيعية في الدول، وتقدّم الدعم الكافي لهم، بهدف إقامة حكم ذاتي. الأمر الذي يساعدها على تأمين ما بات يعرف ب»المدّ الشيعي الإيراني في المنطقة».

– دول العالم التي تجد كلّ منها ضرورة الحافظ على مصالحها في المنطقة. فقد سارعت روسيا إلى تثبيت نفوذها في، خوفاً من سقوط اليمن في يد فريق الرئيس عبدالله صالح المؤيد للسعودية المدعومة من قبل حليفتها الولايات المتحدة الأميركية.

فسياساتها تشكّل تحديا واضحا للنفوذ الروسي، من خلال منعها بسط نفوذها. وقد وضعت المملكة السعودية، صديقتها الولايات المتحدة في وضع حرج. إذ في حين قررت دعم السعودية، سيؤثر ذلك على وضع المفاوضات مع إيران حول الملف النووي.

من أبرز انعكاسات الحرب اليمنية، نجد:

– تطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد، من خلال تفتيتها، وتقسميها إلى دويلات مذهبية متصارعة في ما بينها.

– دور دول الأقليم، الذي يحاول استعمال اليمن كورقة ضغط على أحد طرفي الداعمين للقوى المحلية. فإيران الداعمة للحوثيين، تقابله السعودية ومن معها من دول عربية في موقف منافس، إذ تعمل على ضرب التمرّد الحاصل في اليمن، لكفّ يدّ إيران في المنطقة.

– القوى العالمية التي تعمل، منذ الحرب العالمية الثانية على تثبيت هيمنتها على دول المنطقة. فروسيا الإتحادية اليوم، وأميركا قد دخلتا في دائرة الحرب على النفوذ والمصالح.

إنّها المنطقة التي تعيش خضّات أمنية متنقّلة بين حدودها، ما سيدفعها ثمن التقسيم والتفتيت وضياع الهوية. إنه صراع لن يتوقّف، طالما أنّ الدول الكبرى لم تحقق مصالحها في المنطقة. إذ تسعى إلى تثبيت الوجود الإسرائيلي، وجعلها قوة إقليمية متماسكة، أمام انهيار المنظومات العربية، وجعل جيوشها تدخل في صراعات داخلية بهدف الإستنزاف.

أخيرا، اليمن تعيش حرباً حقيقية تتخطّى النزاع الداخلي، لتدخل في نادي الدول ذات الموقع الإستراتيجي الذي يجعل منها ساحة صراع محلي ودولي. خصوصا وأنّ اليمن تقع بين السعودية وسلطنة عمان، وتطل على مضيق باب المندب أحد أهم المعابر المائية في العالم. لذلك لن تتخلّى القوى المتصارعة على أرضه إلّا بعد تحقيق إنتصارها على الفريق الآخر. لأنّ أي فشل سينعكس سلبا على مصالحها الوطنية، وعلى سياساتها في المنطقة.