Site icon IMLebanon

اليمن في عهدة مجلس الأمن!

قد لا تكون مبرّرةً قانوناً عملية «عاصفة الحزم» من حيث التدخّل الذي يُبيحه مجلس الأمن استناداً إلى المادة 53 من ميثاق الأمم المتحدة التي «تمنع التنظيمات أو الوكالات الإقليمية من القيام بأيٍّ من أعمال القمع بغير إذن مجلس الأمن»، حيث لهذا الأخير أن يتّخذ كلّ التدابير الآيلة إلى حفظ الأمن والسِلم الدوليَين بموجب المواد 41 وما يليها من ذلك الميثاق من وقفِ الصِلات الإقتصادية والعلاقات الديبلوماسية وسائر العلاقات الأخرى وصولاً إلى اتّخاذ إجراءات للقيام بعمليات برّية جوّية أو بحرية، على أن توضعَ في تصرّف مجلس الأمن كلّ الوسائل الأخرى لتمكينه من تحقيق أهدافه.

لا يخرج من الحِسبان إدخال قوّات برّية لاستتباب حكم السلطات الشرعية والحَدّ من السيطرة الحوثية وإذا لم يُصدر مجلس الأمن قراراً يمنع بعض الدوَل من التدخّل في شؤون دوَل أخرى، سواءٌ بسبب إمكانية استخدام حق «الفيتو» أو بغيره، لكنّه أحياناً لا يُصدر قراراً إذا كان موافقاً على تدخّل بعض الدوَل لوقف تهديد السِلم والأمن الدوليَين.

فهكذا تدخّلَت فرنسا في أفريقيا لتهدئة الوضع في مالي أو للفصل في الخِلاف على السلطة الدائر في ساحل العاج بين الرئيس الأسبَق غبابغو والرئيس المنتخب الحسن وتارا وأحَلّت السلام في هذه الدوَل، ما يعني موافقةً ضمنية على ما قامت به فرنسا.

أمّا تدَخُّل روسيا للفصل في النزاع الدائر بين المعارضين والفريق الحاكم في أوكرانيا فكان من غير الممكن اتّخاذ تدابير في مجلس الأمن وفقاً للفصل السابع، لأنّ روسيا كانت ستستخدم حقّ «الفيتو»، وقد تدخّلَت روسيا لأنّها اعتبرَت أنّ ما يجري من تغييرات في محيطها يستدعي تدخّلَها العسكري حمايةً لخاصرتها، خصوصاً بعدما نشأت قوّة قتالية أوروبية على حدودها، حيث أُنشِئ حلف «فيشغراد» أو حلف «في فور» المؤلّف من تشيكيا وسلوفاكيا وبولندا والمجَر، فحسمَت روسيا في تدخّلِها العسكري النزاع الدائر في جورجيا لمصلحةِ سلطاتِ حُكمٍ تدين بالولاء لها، وحاولَت أن تتدخّل في أوكرانيا وفصَلت القرم عنها وهي تسعى لانفصال رسميّ لدونيتسك، وذلك على خطى انفصال القرم، وقد ردَّت أوروبا والولايات المتحدة الأميركية بتدابير حازمة جعَلت روسيا التي كانت قد صُنِّفت ثامنَ قوّة إقتصادية في العالم في وضع مهتزّ اقتصاديّاً.

أمّا في اليمن، وبعدما اقتنعَت دوَل الخليج بأنّها لن تستطيع السكوت على محاولة الحوثيين السيطرة على كلّ مقدّرات البلاد فيه، لِما لذلك من تأثير على اقتراب الخطر الإيراني من منطقة الخليج، بالإضافة إلى التأثير على حركة الملاحة لثلث بترول العالم الذي يمرّ مِن مضيق باب المندب، هكذا وكما تصرَّف مجلس الأمن بالنسبة إلى القضية الإيرانية حيث حاوَل تطويق إيران اقتصادياً، ما دفعها إلى مفاوضات ربّما تنهيها باتّفاق تُسدِل معه الستار على طموحها النووي غير السلمي، في مقابل وقفِ الحصار الاقتصادي ورفع سائر العقوبات المفروضة عليها.

لكن يبدو أنّ التدابير في اليمن ستكون سريعةً، وهي موجَّهة ضد الحوثيين، إلّا أنّ القرار لم يُلقِ باللائمة على التدخّل الخليجي بعدما صدرَ بناءً على اقتراح دوَل الخليج (حيث تقدّمَت به المملكة الأردنية الهاشمية) ما يعني عدمَ معارضة التدابير المتّخَذة في إطار الحملات الجوّية على الحوثيين بغيةَ إيقاف تقدُّمِهم إلى كلّ أجزاء اليمن.

وقد بدأ تفتيش السفن المتّجهة إلى اليمن ومصادرة كلّ الأموال العائدة لأحمد صالح إبن الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح الذي كان يشغَل منصبَ قائد الحرَس الجمهوري، وكذلك مصادرة الأموال العائدة لرئيس الحوثيين عبد الملك الحوثي، بالإضافة إلى حظر التعاون معها.

وقد دعا القرار الحوثيين إلى الانسحاب من المناطق التي سيطروا عليها والإفراج عن السجَناء السياسيين والعسكريين وعدم تجنيد الأطفال، كذلك دعا جميعَ الأطراف للجلوس إلى طاولة المفاوضات، وطلبَ إرساءَ هدنةٍ إنسانية يضع الأمين العام للأمم المتحدة خطةً لها بالتنسيق مع الحكومة اليمنية، ما يعطي شرعيةً للرئيس عبد ربّه منصور هادي.

وفي نظرةٍ سريعة إلى هذا القرار الذي اتُّخِذ بموافقة 14 عضواً من أصل 15 وامتناع روسيا عن التصويت، تبدو معالجة القضية أسرع من القضية السورية التي لم يتمكّن مجلس الأمن مِن معالجتها حتى هذه الساعة بسبَب «الفيتو» الروسي والصيني.

لكنّ تموضعَ الحوثيين في اليمن وارتباطَهم ارتباطاً وثيقاً بإيران قد يجعل حلَّ المسألة أمراً صعباً إلّا إذا سَلّمت إيران بأنّها لن تضحّي بالاتّفاق النووي المنوي توقيعُه مع الدوَل الست من أجل سيطرتِها على اليمن، الأمر غير المقبول لدى دوَل الخليج، لكن مجرّد تطويق الحوثيين في اليمن يبدو إشارةً إيجابية على بَدء تقدّم شرعية حُكم الرئيس هادي على أيّ قوى أخرى،

الأمر الذي يجعل مسارَ الحوثيين محفوفاً بالعوائق، وإذا كانت الدوَل السِتّ قد تمكّنَت، وإنْ بصورةٍ غير نهائية، من حمل إيران على التنازل عن مشروعها النووي غير السِلمي مقابل رفع العقوبات عنها والإفراج عن أموالها المصادرة، فإنّ مسألة الحوثيين ستكون أقلّ سهولةً لمعالجتها حتى لو طالت مدّة تنفيذ قرار مجلس الأمن وما قد يصدر عنه لاحقاً في إطار معالجة الأزمة اليمنية، حيث لا يخرج من الحِسبان إدخال قوّات برّية لاستتباب حكم السلطات الشرعية هناك والحَدّ من السيطرة الحوثية الميدانية على كلّ أجزاء اليمن ومقدّرات الحكم فيه.