اليمن الفقير الذي على أطراف العالم العربي، لا في قلبه، شغل المنطقة، وأحياناً العالم، أكثر من مرة. وليس بين اللاعبين في اليمن من يجهل موقع العامل اليمني في المعادلة الجيوسياسية وحسابات الأمن القومي للسعودية. من ايام الإمامة الى ايام الجمهورية. ومن دولة الشمال ثم دولة الجنوب الى اتفاق الوحدة ثم حرب الانفصال التي اراد بها الجنوب استعادة الاستقلال لكن الشمال ربحها. ومن سياسة الصيد الأميركي لقيادات القاعدة عبر طائرات من دون طيار الى الثورة الشعبية السلمية التي انتهت باخراج علي عبدالله صالح من الرئاسة على أساس المبادرة الخليجية قبل أن يندفع انصار الله الحوثيون للسيطرة على صنعاء ثم عدن.
وفي كل مرة، منذ سقوط الإمامة والتدخل العسكري المصري لدعم الجمهورية الذي قابله الدعم السعودي للقبائل الموالية للإمام البدر، كانت الرياض تعمل بشكل غير مباشر. هذه المرة بعد الانقلاب الحوثي أعلنت الحرب وقادت تحالف عاصفة الحزم مباشرة، بحيث أدرك الجميع مدى الخطورة التي تراها الرياض في أحداث اليمن والأولوية التي تعطيها لتغيير اتجاه الأحداث بما يوقف تمدد النفوذ الايراني.
ولم يكن دعم طهران للحوثيين سراً من ايام حروبهم الست مع صالح عندما كان رئيساً. لكن ما بدا كأنه مفاجأة هو اعطاء طهران الأولوية المطلقة للصراع في اليمن. فالآلة السياسية والاعلامية لايران وحلفائها في المنطقة تحرّكت بكامل قوتها لدعم أنصار الله، والتنبّؤ ب هزيمة العدوان السعودي. والكلام جاء على أعلى المستويات بما أوحى ان الرهان على انتصار الحوثيين هدف استراتيجي حيوي للجمهورية الاسلامية ومشروعها الاقليمي.
وما يعبّر عن هذا الواقع ليس فقط الصراع العسكري بل أيضاً أحاديث الحل السياسي. فالكل يعرف ان نهاية المعارك حلّ سياسي. ولم يكن أمراً قليل الدلالات ان تتقدم ايران بمشروع للحل السياسي مع صدور القرار ٢٢١٦ عن مجلس الأمن. إذ هي ركّزت على وقف النار ثم الحوار، وتعهدت استخدام نفوذها لترتيب الأمر، عبر اعتراف الوزير محمد جواد ظريف بأنه لدينا نفوذ لدى كثير من الجماعات في اليمن، وليس لدى الحوثيين والشيعة فحسب.
لكن معنى ذلك الالتفاف على قرار مجلس الأمن الذي طالب الحوثيين بالانسحاب من المناطق التي سيطروا عليها. أي اننا أمام نوعين من الحل السياسي: واحد هو العودة الى ما جرى الاتفاق عليه في مؤتمر الحوار الوطني وتعرض لانقلاب الحوثيين. وآخر هو بدء الحوار من الصفر ومن موقع القوة الحالي للحوثيين. ولا مجال لحل سياسي مناقض لخارطة الطريق التي رسمها قرار مجلس الأمن.