Site icon IMLebanon

أمثولة يمنية!

ما عاد الأمر على ما يبدو سوى مسألة وقت قبل أن تبدأ عملية دمل الجرح اليمني الذي فتحه الانقلاب على الشرعية، ومحاولة ايران بناء منصّة نفوذ متقدمة لها عند حدود السعودية والخليج العربي وعلى أبواب أهم الممرات المائية الدولية.

وتلك قراءة قد تكون متفائلة، لكنها واقعية وتستند الى شيئين كبيرين. الأول نجاح العمل العسكري الذي قادته السعودية على مرحلتين، في كسر الانقلاب وزخمه وأرضه بما سمح بعودة الشرعية الدستورية الى عدن. والثاني (متمم) هو اعتماد مقاربة واقعية وذكية من خلال ابقاء الابواب مفتوحة امام حل لا يُقصي احداً من المكونات اليمنية ولا يقدم مطالعة ثأرية إزاء البيئة التي انطلق منها واستند اليها الانقلابيون.

وذلك زرع طيب لم يتأخر جناه. مع الافتراض في موازاة ذلك، ان موضوع علي عبد الله صالح شبه مقفل ويختلف الى حد ما، عن موضوع الحوثيين، تبعاً للخصال غير الحميدة التي اظهرها الرئيس المخلوع، والتي تجعل من أي محاولة جديدة لمد اليد اليه، ضرباً من ضروب العبث، وأمراً غير منطقي عدا انه غير مُجد على الاطلاق.

نجحت قوات التحالف بقيادة السعودية، في ربح «حرب» اليمن، وان كانت «معارك» في تلك الحرب لا تزال مندلعة.. وذلك قياس، ما عاد احد في المحور الايراني قادر على نكرانه او اعادته الى دائرة الابهام: لا الخريطة العسكرية تسمح للانقلابيين وايران بذلك، ولا التطورات السياسية المسجّلة في الآونة الاخيرة تسمح لهؤلاء بالتطلع الى تسوية بشروطهم، بل العكس هو الصحيح.

والواقع، ان مناخ انهزام ايران ومشروعها في اليمن امطر حالة استثنائية يمكن ان تكون في مكان ما، درساً لبعض الادوات الايرانية في نواحينا اللبنانية.. اذ إن يوسف الفيشي الذي يعتبر من ابرز قادة الحوثيين لم يتردد كما صار معلوماً، في اتهام طهران بمثالب خطيرة وكبيرة، داعياً اياها الى الكف عن المزايدات ومحاولات استغلال الملف اليمني في لعبة ابتزاز الخليجيين، ومتهماً اياها بتقديم «السمّ في العسل« والعمل لإفشال اي حلول سياسية، واستخدام المأساة اليمنية في اجندتها العدائية وفي الموضوعين السوري والعراقي!

اي ان أحد كبار الجماعة الحوثية التي وُضعت في صدارة الانقلاب (الايراني) على الشرعية، يقول علناً وجهاراً نهاراً ان ايران غير معنية سوى بمصالحها المباشرة. ومستعدة للاستمرار في حقن الموقد الفتنوي اليمني من اجل تلك المصالح. وان جماعته (الحوثية) لم تكن سوى جزء من حطب ذلك الموقد.. وقد طفح كيلها بعد ان تيقنت ان مصلحتها هي في الوصول الى تسوية تحت سقف الشرعية الدستورية، وان ايران تسعى الى افشال اي سعي نحو ذلك الهدف المصيري!

وتلك امثولة يمنية! مفادها البسيط والمباشر تغليب المصلحة الوطنية الصافية على اي مصلحة خارجية لا تتناسق معها، أياً تكن الارتباطات والادلجات والتوهمات! لكنها امثولة تدل (بالمناسبة!) على مدى البؤس في الواقع اللبناني، حيث لا يُتوقع فقط، عدم رؤية شيء مشابه لها من قبل حلفاء ايران في لبنان، بل العكس تماماً: اليمن عند هؤلاء، اولوية تتقدم على فلسطين وسوريا! والسعودية «عدو» يتقدم على اسرائيل! ومصالح لبنان تفريع بسيط امام مركزية مصالح ايران!

.. وبانتظار «الخطاب» التالي!