“جنيف” اليمني على شاكلة “جنيف” السوري. العنوان هو حل الازمة الداخلية، أما المضمون فهو اختبار النيات الاقليمية والدولية واستشراف مدى استعداد اللاعبين الكبار لخوض تسويات لا علاقة لها بالشأن اليمني أو مصالح اليمنيين.
الحرب اليمنية بدأت بـ “حزم” سعودي لتحجيم الحوثي “الانقلابي” وعلي صالح “المتطاول” على المبادرة الخليجية واعادة الاعتبار الى “شرعية” عبد ربه منصور هادي وحكومته وارجاع البلد الى التبعية الخليجية وقطع تواصله مع “العدو اللدود” طهران. لكن لم يعد يسمع من “العاصفة” سوى هدير الطائرات وأصوات الانفجارات وأنين الضحايا، بينما صارت الحرب حروباً والبلد ساحات وجبهات ومعارك كثيرة. أفرقاء القتال اليوم في عدن غيرهم في صنعاء والضالع، وهؤلاء وأولئك غيرهم أيضا في لحج وحضرموت وسبأ. لكل معركة طبيعتها والاسباب والقوى والخلفيات والملابسات. هنا قتال بين وحدات عسكرية متمردة ولجان دفاع موالية. وهناك قتال بين لجان شعبية ولجان ثورية. وفي المقلب الآخر “القاعدة” تقاتل ثواراً زيوداً أو قبائل شافعية تقاتل متطرفين سلفيين أو “مجاهدين”. وأحياناً كتائب عسكرية تقاتل كتائب عسكرية لا تواليها وفي الغالب قبائل تتناحر مع قبائل أخرى مرة باسم العروبة ومرة باسم الوطنية ومرات باسم الدين والطائفية، حتى صارت كل ساحة من ساحات القتال اليمنية تحتاج الى “جنيف” خاص بها .
الراعي السعودي لـ”الحزم” يريد من جنيف اعادة اليمن الى ما قبل الانقلاب في صنعاء. والحوثي ومعه علي صالح وآخرون يرفضون الماضي ويصرون على مؤتمر يكرس منطلقاً جديداً لحل سياسي على أساس الامر الواقع الذي فرضه تمددهما ومن ثم صمودهما في وجه “العاصفة”. ولكل من الجالسين الى طاولة “جنيف” أولوياته التي لا تتفق وأولويات الآخر وكلها لا تمت بصلة الى مصالح اليمنيين.
حل المشكلة الداخلية اليمنية يعادل بصعوبته حل المشكلة الداخلية السورية بعدما شرّعت أبواب البلد أمام رياح المحيط. ومع هيمنة الخلافات العميقة وتمسك كل طرف بعناده، ومع عدم توافر سلالم لإنزال الافرقاء من الاشجار التي صعدوا اليها، يصير “جنيف” اليمني محطة أولى لتجهيز قطار الازمة بالوقود الكافي لعبور سكة مشاق طويلة ملأى بالمطبات والمنعطفات.
المتفائلون جداً ينتظرون بارقة أمل يمنية بعد الاتفاق النووي الايراني الذي يصاغ ليس فقط في فيينا بل في “جنيف” السوري و”جنيف” اليمني وفي بغداد. والمتفائلون نسبيا يستبعدون اي حل قبل اي حوار ايراني – سعودي يرسم تسويات لكل الازمات العالقة في المنطقة. والاقل تفاؤلا لا يرون أي بارقة في الافق قبل التوصل الى تفاهم أميركي – روسي أوسع يبدأ من أوكرانيا وينتهي بأزمة أسعار النفط. أما المتشائمون (تفادياً لاستخدام كلمة الواقعيين) فيرون في حرب اليمن وجهاً آخر من وجوه حروب الطوائف والقبائل التي ضربت المنطقة ولن تضع أوزارها قبل إنهاك أبطالها وأوطانهم.