٫أن يصل صاروخ من اليمن إلى تل أبيب، ويقطع مسافة 2000 كيلومتر، أمرٌ يثير دهشة المراقبين… فقد كثر الحديث عن كيفية وصوله. وماذا عن «القبة الحديدية»؟ التي تحدّث عنها الإسرائيليون والتي كلفت المليارات والدعاية حولها، وقيل إنها ستمنع سقوط صاروخ أو حتى «دبانة» على إسرائيل، ليتبيّـن في ما بعد أن هذا الكلام غير صحيح، وأنّ الدعايات التي أطلقت حول القبة الحديدية كانت هراء وكلاماً لمجرّد الكلام فقط لا غير.
من ناحية ثانية، العالم لا يزال ينتظر الردّ الإيراني على عملية اغتيال القائد الفلسطيني الشهيد إسماعيل هنية في قلب العاصمة الإيرانية طهران، تلك العملية التي اعتبرت ضربة في قلب النظام الايراني، ورسالة في الوقت نفسه مفادها أن إسرائيل قادرة على الوصول الى أي مكان تريد في قلب إيران، علماً بأنّ هذه ليست العملية الأولى ضد إيران ولن تكون الأخيرة… خصوصاً أن تاريخ الاغتيالات الإسرائيلية في قلب طهران، والإعتداءات الفاضحة الواضحة في إيران كثيرة، ولا بدّ من أن نتحدث ولو قليلاً عن بعض ما حدث من اعتداءات إسرائيلية وجّهت لإيران:
* أولاً- اغتيال العلماء:
لعقود من الزمن، خاضت إسرائيل وإيران «حرب الظل»، حيث تبادلتا الهجمات البرية والبحرية والجوية وأحياناً «السيبرانية»، في الوقت الذي كانت الاغتيالات المستهدفة للعلماء النوويين جزءاً أساسياً من استراتيجية تل أبيب.
ففي منتصف التسعينيات، كانت إسرائيل تشعر بالقلق إزاء استئناف البرنامج النووي الإيراني بمساعدة روسيا. وهكذا انخرطت إسرائيل في سلسلة من الهجمات، وسعت الى إلحاق الضرر بالمنشآت النووية الإيرانية، كما تمّ استهداف العلماء النوويين.
أولاً: كانت أشهر عمليات استهداف العلماء النوويين هي اغتيال محسن فخري زاده أكبر عالم نووي إيراني عام 2020. وكان فخري زاده، المعروف منذ فترة طويلة لدى وكالات الاستخبارات في جميع أنحاء العالم، في قلب برنامج إيران النووي، وهو كان أيضاً عنصراً أساسياً في تصدير إيران للتكنولوجيا النووية. وقد تمّ رصده من قِبَل الاستخبارات الأميركية في كوريا الشمالية.
ثانياً: اغتيال مسعود علي محمدي، أستاذ الفيزياء بجامعة طهران، في انفجار قنبلة تمّ التحكم فيها عن بُعد، مزروعة على دراجة نارية. وانفجرت العبوة الناسفة أثناء مغادرته منزله في شمال طهران متوجهاً الى العمل. ووصفت الحكومة الإيرانية علي محمدي بأنه عالم نووي. لكنها قالت إنه لا يعمل في منظمة الطاقة الذرية الإيرانية. وحمّلت إيران إسرائيل والولايات المتحدة مسؤولية الاغتيال.
ثالثاً: تمّ اكتشاف ڤيروس Stuxnet الذي يُشاع بأنّ إسرائيل والولايات المتحدة طوّرتاه في أجهزة الكومبيوتر في محطة بوشهر للطاقة النووية، ثم انتشر الڤيروس الى مرافق أخرى. وقد ورد في أيلول (سبتمبر) عام 2010 أنّ 30 ألف جهاز كومبيوتر في 14 منشأة على الأقل، بما في ذلك منشأة «نطنز» قد تعرضت للاختراق. كما تسبّب الڤيروس في زيادة سرعة محركات أجهزة الطرد المركزي XR1 وانفجاره في النهاية. كما تمّ تدمير ما لا يقلّ عن ألف جهاز طرد مركزي من أصل 9 آلاف جهاز تمّ تركيبها في «نطنز».
رابعاً: في 29 تشرين الثاني (نوڤمبر) عام 2010 اغتيل البروفسور ماجد شهرياري، عضو كلية الهندسة النووية بجامعة بهشتي في طهران داخل سيارته وأصيبت زوجته في الانفجار. وقال شهود أن رجالاً على درّاجات نارية ألصقوا قنابل بسيارات تابعة لشهرياري وعالم آخر هو فريدون عباسي دوائي.
خامساً: في 23 تموز (يوليو) عام 2011 اغتيل داريوش رضائي نجاد وهو مهندس كهربائي في منشأة نووية. كما تمّ اغتيال مصطفى أحمد روشان بعد أن عمد رجلان الى وضع قنبلة على سيارته عام 2012.
سادساً: الأخطر، أن رجال «الموساد» داهموا مستودعاً في طهران في 31 كانون الثاني (يناير) عام 2018. هذا المشروع يضم أرشيفاً ضخماً للبرنامج النووي الإيراني.
سابعاً: في 2 تموز (يوليو) 2020، تسبّب انفجار ضخم في موقع التخصيب النووي في «نطنز» بتأخير البرنامج النووي أشهراً.
هذا الى أحداث كبرى لا يتسع المجال لذكرها الآن.
* ثانياً- اغتيالات عسكرية وسياسية:
لقد خسرت إيران خلال السنوات الأخيرة عدداً من كبار العسكريين في عمليات اغتيال تتهم إسرائيل بالوقوف وراءها، ومن هؤلاء:
1- محمد رضا زاهدي الذي قتل في غارة إسرائيلية على مقر القنصلية الإيرانية في دمشق، وهو ثالث قيادي في الحرس الثوري يُقتل، كما يُعد أبرز قيادي في الحرس الثوري الإيراني يُقتل بعد قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني الذي اغتيل في بغداد مطلع العام 2020.
2- رضا موسوي الذي اغتيل في كانون الأول (ديسمبر) 2023 في ضربة صاروخية إسرائيلية عبر منطقة السيدة زينب.
3- أضافت إسرائيل اغتيال اسماعيل هنية في طهران الى قائمة من عمليات قتل غامضة قامت بها داخل الأراضي الايرانية وخارجها.
4- اغتيال عماد مغنية أحد أهم القادة العسكريين لحزب الله. اغتالته إسرائيل في شهر شباط 2008.
5- اغتيال القائد الايراني الكبير العقيد حسن سيد خدايي المعروف بلقب «الصيّاد» في طهران عام 2022. بعده قتل علي اسماعيل زاده الذي سقط عن سطح منزله في كرج، وهناك عملية اغتيال كبرى تمّت داخل إيران للمدعو عبدالله احمد عبدالله المعروف أيضاً باسم «ابو محمد المصري»، وقد قتل في 7 آب (أغسطس) عام 2020 في طهران بطلب من الولايات المتحدة الأميركية وقتلت معه ابنته مريم.
بعد كل هذا الكمّ من الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة على إيران وأذرعها في المنطقة، وإعلان إيران أنها تنتظر المكان والزمان المناسبين، وبعد نظرية التراجع التكتيكي الذي جاءت به طهران أخيراً، وعدم التفاتة الإيرانيين الى الانتقادات الموجهة الى سياستهم في الإقليم. لم يكن عبثاً نأي إيران عن مسؤوليتها في حرب غزة فور اندلاعها وتكثيف إعلامها وإعلام حلفائها في الإقليم، الحديث عن قرار ذاتي لـ «حماس» في تنفيذ عملية «طوفان الأقصى»، وبدا أن هناك تحوّلاً في الخطاب الإيراني. إذ لم بعد قائد الجيوش الإيرانية يريد تدمير إسرائيل، ولم يعد قائد الحرس الثوري يريد إزالتها من الوجود…
فهل يكون الصاروخ اليمني هو الردّ الإيراني على كل ما فعلته الدولة العبرية من اغتيالات؟.. أم أنه دليل على ارتباط إيران بالولايات المتحدة الأميركية ضمن مصالح خاصة ليس أقلها الملف النووي الإيراني؟