تتقاطع معلومات من مصادر عدة تفيد أنّ ما أوقفَ عملية «عاصفة الحزم» في اليمن كان الدور الكبير الذي أدّته موسكو لدى المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية اللتين شعرتا بالحرج إزاء ما أدّت اليه العمليات العسكرية على الاراضي اليمنية من خراب ودمار.
ويقول مصدر ديبلوماسي خبير في الشؤون الاقليمية والدولية انّ الايرانيين ما كانوا يتوقعون هذا الحجم من ردّ الفعل السعودي الكبير في اليمن، وانّ السعوديين من جهتهم كانوا يدركون أنهم قادرون على استهداف كثير من معاقل حركة «أنصار الله» وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ولكنهم كانوا مُدركين مسبقاً ايضاً انهم لا يستطيعون السيطرة على «مستنقع كبير» عجز غيرهم من دوَل وجهات في السابق عن السيطرة عليه.
لذلك، يعتقد هذا المصدر، انّ السعودية «أُجبرَت على مضض» على استخدام القوة بهذا الحجم في اليمن، خصوصاً بعدما شعرت انه لم يحصل تضامن إقليمي ودولي كبير معها، فدخلت الحرب بعدما شعرت أنّ أمنها بات مهدداً مباشرة من الخاصرة اليمنية، ولكنها خلال الحرب فوجئت بـ»خَلخلة» حصلت في صفوف حلفائها فتهرّبت باكستان وتركيا من التزامهما التدخّل الى جانبها، فيما أبدَت مصر بعض الاستعدادات الخجولة.
ولذلك لم تجد الرياض مناصاً إلّا وقف «عاصفة الحزم» والبدء بعملية «إعادة الأمل» التي تعني عملياً الدفع في اتجاه انطلاق حوار يمني ـ يمني يجمع كل الاطراف السياسية لإنتاج حل سياسي للأزمة اليمنية تكون هي شريكة أساسية في صنعه، الى جانب إيران وجامعة الدول العربية.
ويتوقع المصدر ان ينطلق هذا الحوار اليمني في سلطنة عمان، على الأرجح، بين نهاية الشهر الجاري ومطلع الشهر المقبل، ويمكن ان يُصاغ جدول أعماله من بين بنود مجموعة المبادرات المطروحة للحل والتي كان آخرها المبادرة العُمانية التي جاءت بعد المبادرة التي أعلنها وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في الآونة الاخيرة.
ويرى المصدر انّ الواقع الميداني الذي نشأ في اليمن من جرّاء «عاصفة الحزم» هو ما دفعَ الرياض وطهران الى الاستجابة للمسعى الروسي الذي يستند، على ما يبدو، الى الافكار المطروحة لحلّ الأزمة اليمنية منذ حصول التقدّم الميداني الحوثي وحلفائه في مختلف محافظات اليمن.
ويقول المصدر انّ الرياض وطهران باتتا جاهزتين لمخرج وَفّره التدخل الروسي الذي أسست موسكو له بامتناعها عن التصويت على قرار مجلس الامن الدولي الاخير في شأن اليمن بدلاً من استخدامها حق النقض «الفيتو» مثلما فعلت والصين إزاء الأزمة السورية.
ويؤكد المصدر نفسه أنّ هذا التطور اليمني في اتجاه ايجاد حل سياسي للأزمة عبر حوار بين المكوّنات السياسية اليمنية يُتوِّجُه تفاهم سعودي ـ إيراني، من شأنه أن يفتح الباب امام تفاهم مواز بين الرياض وطهران على حل للأزمة اللبنانية يبدأ بانتخاب رئيس جمهورية جديد.
لكنّ هذا المصدر الديبلوماسي يعتبر انّ إعلان انتهاء «عاصفة الحزم» هو حتى الآن عبارة عن حلحلة من دون حلول جذرية سياسية، بمعنى انه أشبَه بوَقف إطلاق نار غير معروف بَعدْ ما إذا كان سينتج منه تفاهم أكبر يصِل الى حدود تهدئة النزاع السني ـ الشيعي في المنطقة، وهي تهدئة لا يوفّرها إلّا التفاهم السعودي ـ الايراني، نظراً لثِقل البلدين وموقعهما المؤثر في العالم الاسلامي.
وثمّة إقناع في لبنان أنّ الحل الحقيقي والانفراج في أزمته لن يحصل الّا إذا هدأ النزاع السني ـ الشيعي، واذا لم يحصل هذا الأمر فعبثاً الحديث عن حلول جذرية لكلّ الازمات في المنطقة، وحتى الآن فإنّ الحل اليمني في حالته الراهنة يبعث على الشك في مدى قدرته على إطفاء النزاع السني ـ الشيعي.
ويشير المصدر الى انه كان معوّلاً على الاتفاق النووي بين ايران والدول الغربية أن يساهم بقوّة في إنهاء هذا النزاع المذهبي، ولكنه حتى الآن لم يحقق هذا الأمر، وربما تكون هناك حالة انتظار للمحطة النهائية لإنجاز الاتفاق النهائي في حزيران المقبل.
علماً انّ البعض يقول انّ انضمام السعودية عملياً الى معسكر المؤيّدين لهذا الاتفاق هو ما يمكّنه من المساهمة في إنهاء النزاع السني ـ الشيعي، وحصول هذا الانضمام يتوقّف على طبيعة الحل اليمني المنتظر ومدى الدور الذي ستؤديه الرياض في عملية إنجازه.
ويخلص المصدر الديبلوماسي الى القول إنّ آليّات العمل لانتخاب رئيس جمهورية جديد قد تنشط بمجرد انطلاق الحوار اليمني ـ اليمني، ولكن هذا الرئيس لن يُنتخب إلّا بعد حصول التوافق السعودي ـ الإيراني، إذ انه في هذه الحال يمكن الرياض وطهران أن تدعما رئيساً توافقياً تقبل به كل المكوّنات السياسية اللبنانية. علماً أنّ هذا التوافق السعودي ـ الايراني، اذا حصل، سيفتح الباب لدفع بقية الأزمات التي تعيشها المنطقة الى آفاق الحلول العملية.