لو كانت مشكلات اليمن محصورة في التنافس الحوثي (الشيعي الزيدي) – السنّي لكان في الإمكان ايجاد حلّ لها رغم الصعوبات والعوائق المعروفة، والمشكلة الفعلية هي أن داخله صراعات عدة، كل واحد منها منفصل عن الآخر. فهناك مناوشات، بل اشتباكات بين المتمردين الشماليّين والسلطة المركزية، وهناك ثانياً حال مشابهة بين “الحراك الجنوبي” الذي يطالب بالاستقلال والسلطة نفسها. وهناك ثالثاً “تحرك الإصلاح” والنخبة القديمة للنظام التي يتزعمها أحمد ابن الرئيس السابق علي عبدالله صالح، والاثنان يتحديان السلطة الانتقالية. وهناك رابعاً الجيش الذي تحوّل ميداناً للصراعات لأن الولاءات أساساً ليست للحكومة المركزية بل لزعماء القبائل ولولاءاتهم المتنوعة. هذا الواقع جعل الحكومة المركزية من دون قوات مسلحة تستطيع بواسطتها تحدّي أو مواجهة الميليشيات المسلحة. وساعد ذلك الحوثيين على اجتياح مناطق عدة في سرعة. وقد خلق انقسام السنَّة بين مؤيّدين للرئيس السابق وقبيلته وبين السلطة الانتقالية فراغاً جعل التقدم الحوثي دراماتيكياً. كما مكّن الفراغ نفسه “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” من استعادة بعض قوته في مواجهة جيش مجرَّد من القوة، ومن احتلال مناطق والسيطرة على منشآت مثل عدوه الرئيسي الحوثيين. إلا أن الانقسام القبلي المذهبي دفع القبائل السنّية، رغم ولاءاتها المختلفة، إلى الاصطفاف أكثر مع “القاعدة”.
مَن يموّل أطراف الحروب والمعارك في اليمن؟
يتَّهم البعض إيران بتقديم مساعدات مالية وأسلحة إلى الحوثيين، يجيب الباحثون الجدّيون أنفسهم. ويتّهم البعض الآخر العربية السعودية بتقديم مساعدات مماثلة إلى الرئيس السابق وبعده الى خلفه، لكنه يلفت إلى أن هذه المساعدة قد عُلِّقت. والمشكلة بالنسبة إلى أميركا هي أن الحوثيين يمثِّلون الوسيلة الأفضل لاحتواء “القاعدة” في اليمن جراء انهيار الشرعية حكومةً وقوى مسلحة. علماً ان هؤلاء لا يتعاطفون معها بسبب دعمها المستمر للسعودية التي تحاربت معهم قبل سنوات في مناطق حدودية. والرئيس أوباما لا بد أن يبحث في وضع اليمن مع العاهل السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز وذلك لإطلاق تعاون اقليمي لحلّ مشكلته والإرهاب الذي ينمو فيه. كما أن المحادثات المستمرة بين أميركا وإيران قد تترك مجالاً للحوثيين لأن يصعِّدوا حربهم على “القاعدة”.
وفي هذا المجال، يلفت هؤلاء إلى أن تورّط قوات أميركية في محاولة إعادة النظام إلى اليمن هو موضوع دقيق لأن المشاعر في العالم العربي معادية لأميركا، ولأنه يزيد الانقسامات فيه فضلاً عن أن “التورّط” قد يدفع البعض إلى قتال “المحتل أو الغازي”. ومن شأن ذلك خلق أفغانستان أخرى في اليمن الأقرب جغرافياً من أكبر منتج للنفط في العالم. إلى ذلك كله، يُعتبر اليمن أفقر بلاد في العالم العربي. عنده بعض النفط، لكنّ احتياطيه منه يتضاءل. وليس هناك مَن يستثمر في هذا القطاع من خلال التنقيب جراء الأخطار الأمنية الكبيرة. والحكومات السابقة وآخرها، وربما أطولها عمراً، لم تضع أي خطة اقتصادية للتعامل مع مرحلة ما بعد النفط. وطبعاً هذا الواقع الاقتصادي مع الوقائع الأمنية الخطيرة يقلق العربية السعودية لأنه أدخل اليمن في عدم استقرار وحال حرب مزمنين.
ما هو موقف المملكة العربية السعودية الأكثر انتاجاً للنفط في العالم من الحال المأسوية في اليمن؟
هي تخاف عدم الاستقرار والفراغ الذي مكَّن المجموعات المتمردة مثل “القاعدة في شبه جزيرة العرب” من الحصول على مواطئ قدم جغرافية مهمة، يجيب الباحثون أنفسهم. وهي مع سائر الدول العربية في الخليج تشعر بالقلق من إمكان تحوّل اليمن افغانستان (عربية) وذلك لمعرفتها بالأثر المزعزع للاستقرار الذي كان لها على جارتها باكستان. ومثل افغانستان اليمن دولة فقيرة يواجه شعبها صعوبات كثيرة صحيّة واقتصادية، الأمر الذي يجعل حكومته دائماً قريبة جداً من مواجهة كارثة. وهذا يعني أن اليمن يستطيع أن يصبح دولة فاشلة أخرى مُدارة من متطرفين في منطقة قامت فيها من زمان الدولة الفاشلة الأولى في العالم أي الصومال. وهذا مُقلق وخطير. ذلك أن اليمن وبواسطة باب المندب يحتل موقعاً استراتيجياً على مدخل البحر الأحمر، وهو أحد أكبر وأهم الطرق البحرية لعبور بواخر الشحن. كما أنه الطريق الرئيسي لشحن النفط المُنتَج في السعودية ودول الخليج. وأي اضطراب في اليمن يشكّل مصدر قلق للرياض وللعواصم الخليجية الأخرى وللغرب عموماً.
ماذا يُقلق السعودية أيضاً في اليمن وبسببه؟