Site icon IMLebanon

نعم… لخيار الصمت

السؤال الذي يطرحه كل مراقب أجنبي يهتم بالشأن اللبناني وليس لديه خبرة عميقة بمشاكلنا وطباعنا والحساسيات التي تتحكم بنا: ما مشكلة «تكربج» الطبقة السياسية اللبنانية أمام كل استحقاق دستوري؟

ولماذا لا تستطيع هذه الفئة الحاكمة على رغم ذكائها ان تطبّق القوانين المرعيّة الاجراء وبالتالي ان تحترم الاصول الدستورية عند هذه الاستحقاقات؟ خصوصاً أنه من الصعب على هؤلاء والذين يملكون عقلية قانونية ومؤسساتية أن يفهموا لماذا هذا التضعضع مع وجود النص الواضح ولماذا الانتظار والتأخّر مع المهل التي لا تحمل ايّ جدل او تأويل؟

هؤلاء الذين يراقبون في العادة سير العمل الديموقراطي في العالم الغربي تفاجئهم قدرة اللبنانيين على استعادة الوقائع نفسها أمام كل عملية انتخابية او مؤسساتية جديدة في مشهد يتكرّر حتى الملل، وذلك إن لناحية التذاكي على النص أو اللعب على شفير الهاوية أو تحميل الدستور ما لا يحتمل من اجتهادات وِفقه، والأصعب من ذلك كيف تستطيع هذه القوى ان تتلاعب بالدستور وفقاً لأهوائها وفي كل مرة تقدّم اجتهاداً جديداً يتناسب مع موقفها السياسي المتبدّل؟ ولعلّ الاخطر من الوصف أعلاه هو عندما يطلب منك ان تشرح لهم الاسباب التي تحول دون تطبيق الدستور كما هو في معرض نص واضح وصريح وسَبق تطبيقه.

فالوضع الذي وصلنا اليه يلزمك بخيارات ثلاثة، فإمّا أن تصمت احتراماً لما تبقى من كرامة تريد أن تقنع هؤلاء الباحثين السائلين بأنها موجودة لدى من يحكمك منذ اكثر من ربع قرن وهذا الخيار لا يدخلك في عالم التبجيل الذي ترفض الولوج اليه… أو أن تكذب محاولاً أن تجد ذرائع لا تستقيم مع الواقع ومع حقيقة المواقف فتقول إنّ اللعبة الديموقراطية في لبنان مميزة وليس لها مثيل في العالم… وإنّ التأخير هو من قواعد اللعبة وبالتالي أمر طبيعي طالما أنّنا سوف نعود الى العملية الانتخابية، وإنّ الاجواء المتفجرة في المنطقة تتطلب الكثير من الحذر والهدوء عند مقاربة مواضيع حساسة كالانتخابات وقوانينها… الى ما هنالك من تبريرات وأكاذيب جاهزة نطلقها في العادة غبّ الطلب.

أمّا الخيار الثالث فهو أن تأخذ نفساً عميقاً وتقول الحقيقة الجارحة بأنّ الخلافات الشخصية للطبقة الحاكمة والمناكفات والمماحكات هي أعلى من الدستور وأنهم عادة ما يختبئون خلف مصالح طوائفهم لتعطيل أحكامه متذرّعين بحقوق من يمثّلون وهمّهم يقف عند مصالحهم الصغيرة وكيفية تأبيد بقائهم في السلطة… شارحاً أنّ التدخل الخارجي خصوصاً بعد الخروج السوري عام 2005 ينقذهم مسيّراً الامور بالتي هي أحسن، هكذا جرت الانتخابات النيابية يومها بعد اتفاق اقليمي دولي على مباركة التحالف الرباعي، وهكذا انتخب الرئيس ميشال سليمان بعد اتفاق الدوحة، ونظّمت الانتخابات النيابية وفقاً لأحكام هذا الاتفاق، وشكّلت حكومة العهد الاولى…

ومع انفجار المنطقة وتَلهّي القوى الاقليمية بمشاكلها والدول الخارجية بإعادة تقسيم المنطقة فشلنا في إجراء انتخابات نيابية منذ العام 2009، وما كنّا انتخبنا رئيساً جديداً للبلاد لولا تقاطع مصالح ظرفي بين القوى الكبرى.

إنّ هذا الوصف في حال النطق به سوف يؤكد للمراقب الاجنبي أنّ حكامنا لم يستطيعوا لتاريخه أن يقطعوا حبل السرّة مع الاستعمار بكل أشكاله وألوانه، وأنهم قوم يعجزون عن حلّ مشكلاتهم وفقاً لدستور بلادهم… وأنّ الاشكالات الدستورية لا تُحلّ إلّا بحلول روح الخارج على الداخل، وهذا الواقع ناتج عن أمور ثلاثة: طمع حكامنا، وكسل شعبنا، وميل الخارج للتسلّي بنا.

من هنا يبقى الخيار الاول، أي الصمت والسكوت، أفضل الحلول لتحافظ على أمل قد يأتي يوماً.