قرأت في عدد «السفير»، الصادر يوم الخميس، رداً على ما كتبته بعنوان «ماذا لو استقال رئيس الحكومة؟» في عدد الأربعاء، وكنت أود ان أتجاوزه، إلا ان ما منعني من ذلك خوفي من أن يعلق بعض ما جاء فيه في أذهان طلاب الحقوق.. ولهذا اختصر لفت النظر بنقطتين وباقتضاب شديد:
يقول الكاتب: «فعلى فرض ان الحكومة المستقيلة أصدرت مرسوم قبول استقالتها، ففي هذه اللحظة ينتهي وجودها القانوني ويصبح من المتعذر عليها توقيع مرسوم ثان بتعيين رئيس حكومة جديد ومن ثم مرسوم ثالث بتشكيل حكومة جديدة. وبهذا يكون وجود الحكومة قد انتفى من دون ان تتمكن من تسليم السلطة إلى الحكومة الجديدة». والجدير بالذكر هنا ان النص يكون في حالة خلو سدة الرئاسة.
ـ ان مرسوم قبول استقالة الحكومة لا يمكن ان يصدر منفرداً، استناداً إلى كل الحالات التي حصلت منذ استقلال الدولة وحتى اليوم على الأقل، ومن دون الأسباب الدستورية التي تفرض ذلك. ولهذا فلا يمكن اصدار مرسوم قبول استقالة الحكومة إلا في وقت واحد مع مرسومين: مرسوم التكليف بتشكيل الحكومة ومرسوم تشكيلها.
ويقول الكاتب: «إن استقالة رئيس الحكومة لم تعد حقاً شخصياً، فهو جزء من فريق مكلف، بموجب المادة 62 من الدستور، بتولي صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة، وبالتالي فإن استقالته تعني تعطيل هيئة دستورية منوط بها صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة وعائدة للغير، وهي تشبه الوكالة غير القابلة للعزل…».
ـ والسؤال هنا هو: هل ان مفاعيل استمرارية الوكالة غير القابلة للعزل تسري على الموكِل والمُوَكَّل، أم أنها تعني الموكِل فقط؟ فإذا كان الأمر كذلك فما هو تصنيف رئيس الحكومة في مثل هذه الحالة؟
إن القول بتعطيل «هيئة دستورية منوط بها صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة باستقالة رئيس الحكومة ليس دقيقاً، باعتبار ان رئيس الحكومة، وفي الحالة القائمة اليوم، لم تؤل إليه صلاحيات إضافية عن الصلاحيات التي حددها الدستور بوصفه رئيساً للحكومة ومجلس الوزراء، وهو بالتالي جزء من المستفيدين من وكالة التوكيل، وإذا كان من تمييز بينه وبين المستفيدين الآخرين (الوزراء) فهو تمييز قائم، وهو ذاته سيان عندما تكون سدة الرئاسة خالية أم غير خالية. ولذلك فإن استقالة رئيس الحكومة، دستورياً على الأقل، تبقى متاحة، باعتبار ان هذا الحق متاح له قبل خلو سدة الرئاسة، لأن الوكالة التي تشير إليها المادة 62 لم تكن لشخصه.
وما هو أهم من ذلك الإشارة إلى ان استقالة رئيس الحكومة، التي لا نتمناها اليوم، لا يمكن ان تلغي حالة تصريف الأعمال، سيان أكان ذلك بالنسبة للحكومة أم لصلاحيات «دستورية» أشار إليها الكتاب بشيء من الحياء، فتصريف الأعمال كما استقر العرف يمكن ان يشمل كل القضايا التي لا يمكن تأجيل بحثها واتخاذ الموقف في شأنها، ولهذا حديث آخر.