عشرة أعوام يا جبران، كأنها أمس الذي عَبَر. كأنها كل يوم، بل كل صباح يحملنا الى مبنى “النهار” حيث مربط خيلك، ومرفأ أحلامك، ومصبّ نهر طموحاتك لا لنفسك وشخصك، بقدر ما هي للبنانك. ولأجيال جديدة تحمل في صدورها رغبات الإصلاح السياسي والاجتماعي والتغيير على كل الصعد والمستويات.
لا يزال الحوار الأخير بيننا يحضرني ويجعلني أتيه مجدداً في حقل التمنيات، ولو، وليت… وخصوصاً في المناسبات التي تحمل إلينا الذكرى القائمة والموجعة في وقعها، وفي إيقاظها تلك الذكريات، والذكريات صدى السنين الحاكي حيث يطفو حضورك المؤنس، الأخفَّ من النسمات، الحامل إلينا دائماً نفحات من الحنين والشوق والمحبة والإلفة، مع لهفة من قلب كبير يتسع لكل الناس.
فوجدانك لا يحمل عداءً ولا خصومة، وبعيدٌ مسافات عن كل ما يدور في فلك الحاقدين والمبغضين والحاسدين. فأنت من طينة الفرسان الذين إذا قالوا فعلوا، واذا وعدوا وفوا، واذا صمّموا فإن إرادتهم اذا فَعَلت غيَّرت وجه التاريخ.
ولأنك كنت في هذا المنحى، وعلى هذا الدرب، كان استهدافك من ذوي النفوس الرخيصة. وأهل الإجرام الذين بدمائهم يغتسلون، وكان استهدافك واستهداف “نهارك” واستهداف طموحاتك واستهداف جبينك الناصع.
من هنا، ولانهم مشهورون بإجرامهم ووحشيتهم، كانت تلك المهاتفة، وكان ذلك الحوار، وكانت تلك التمنّيات لتأجيل عودتك ريثما يحين الأوان، ويصبح الوضع مناسباً نسبياً على الأقل.
كنت مصرّاً ومصمِّماً. واذا بالزميل علي حماده يدخل مكتبي. فاستشهدته، وسألته أن يبلغك رأيه، فكان أن تلا عليك لائحة الأسباب التي توجب التأجيل والتريّث، ريثما يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود. فهدأت قليلاً، وهدأنا معك.
وحين سألتك: خلص، أكيد؟ كان جوابك قاطعاً. فقلت للعزيز علي: لقد نجحنا.
إلا أن عدم تعقيب علي، أو تعليقه ولو بكلمة واحدة، حرَّك الهواجس مجدداً.
بدا لي كأنه غير مقتنع. إلا أنه لم يقل شيئاً، ولم يشأ أن ينقل اليَّ ما يعتمل في نفسه وصدره…
وهذا ما كان، وما حصل، وما أدى الى خسارة فارس في كل الميادين، ومبدعٍ ومتجلٍ في كل الحقول.
وكان الخاسرون كثراً. في المقدمة لبنان. فـ”النهار” والجسم الصحافي بصورة عامة. أما جيل الشباب الذي وجد في جبران تويني ضالته المنشودة، فإن خسارته قد ظهرت تباعاً في أحداث ومناسبات وطنيَّة، ما زالت تصبّ سلبياتها من جراء غياب دور الشباب وفق ما تصوَّره وطبَّقه فارس لبنان الشهيد النبيل.
جبران، هذا الكلام مني اليك، كما تعودنا. ومني إليك أنك لم تبارح قلبي، وقلوب الذين أحبوك تيمناً بقَسَم غسان تويني: جبران تويني لم يمت و”النهار” مستمرة.