Site icon IMLebanon

نعم للعلمانية ، لا للإلحاد

في خضم الجدال حول الرسوم التي تنشرها مجلة “شارلي – ايبدو”، والذي اتخذ في بعض نواحيه جانباً عنفياً مرفوضاً بكل اشكاله، يطرح نقاش فكري حول علمانية فرنسا، واحترام هذه العلمانية للاديان، والخلط ما بين العلمانية والإلحاد.

وصلني قبل أيام كتاب لمنسق “تيار المجتمع المدني”، باسل عبدالله ، يجيب عن بعض التساؤلات، فيقول: “إن علاقة العلمانية بالإلحاد لا يمكن ان تفسر الا من منطلق وحيد، هو ان النظام العلماني يحفظ لكل ملحد حقوقه المواطنية بالنسبة نفسها التي يحفظ بها هذه الحقوق لأي مواطن آخر مهما كان انتماؤه الديني او الفكري”. ويتابع أن “للملحد داخل الدولة العلمانية الحق في التعبير عن رأيه واعطاء وجهة نظره في كل ما لا يتنافى مع حرية غيره في التعبير، وفي كل ما لا يلحق الضرر بأفراد المجتمع. وهذا الحفاظ على حقوق الملحد هو طبيعي في اطار الحفاظ على حرية كل انسان في التفكير”.

ويعتبر أن “اتهام العلمانية بالعداء للدين على خلفية وجود علمانيين ملحدين، يجر العلمانيين ويقحمهم في مواجهة سياسية مشوهة، الغرض منها خدمة مصالح لمجموعات عنصرية او متطرفة تدعي التدين او العلمانية”.

وهذا يعني ان العلمانية تحترم الأديان جميعها، كما التيارات الفكرية والفلسفية، انطلاقاً من حرية التعبير، ولا تسعى الى إهانتها سواء بالكلام أو بالرسوم. وهذه فرنسا، العلمانية وفق ادعائها، تضمن هذه الحرية كدولة علمانية، لا تدعي الإلحاد، ولا تحول علمانيتها قوة مواجهة وصراع مع الأديان بما هي تيارات فكرية، ينسب لها أهلها قدسية وهالة إلهية، قد لا يعترف بها الآخرون. وعدم الاعتراف بالقدسية حق للملحد ايضاً، شرط ان يحترم عقيدة الآخرين.

لكن العلمانية تجنح أحياناً الى التحول حزباً او مذهباً، مما يسقطها في فخ عدم قبول الآخر بأفكاره ومعتقداته، فتسعى الى قولبته في إطار جديد، بل الى جذبه لتأييد أفكارها والانضمام الى مذهبها، فتمارس الاضطهاد والعنف المعنوي على المتدينين لحشرهم في موقع المتخلف والمتعلق بأفكار ما ورائية وشعوذات.

والعلمانية اذا أرادت فعلاً ان تقدم نفسها بديلاً من أنظمة متخلفة وديكتاتورية، فعليها ان تتصالح مع الاديان والمؤمنين بها، لان هؤلاء في نمط عيشهم وفي دولهم، ربما هم أحوج ما يكون الى انظمة تحررهم، فتلغي الفروق العرقية والمذهبية، وتساوي في ما بينهم كمواطنين. أما جعل العلمانية وجهاً للالحاد، وفي عداء مع الدين، فيحرمها التقدم، بل يضعها في صراع دموي نتائجه غير محسومة لصالحها، اذ ان قوى “التقدم” قد لا تقوى على مواجهة “السيف”. والتجارب التقدمية والشيوعية والعلمانية تراجعت او فشلت في غير مكان ودولة في العالم، وانتصرت عليها نزعة العودة الى الدين.

من هنا دعوة الى تنقية مفهوم العلمانية، وتبرئته من الالحاد، كي يصير مشروعاً معداً للبحث الجدي، قبل العمل لاعتماده نظاماً فعلياً.