خيوط اللعبة |
ليس أبغض من الكتابة عن مسألة مذهبية أو طائفية. أما وقد صارت مالئة وطننا العربي وشاغلة ناسه هذه الأيام، فلا بد من طرح بعض الأسئلة، وأبرزها: من يستهدف فعلاً السنّة؟ وهل التأجيج المذهبي يخدمهم، أم يحوّلهم الى وقود لنار إقليمية ودولية تلتهمهم قبل غيرهم؟
لنتحدث عن رموز السنة: اختصر الزعيم جمال عبد الناصر، بشخصه، العروبة وتطلّعات جيل كامل من الحالمين بغد أفضل. كانت له أخطاؤه طبعاً. لكنه على الأكيد كان صادقاً وشريفاً وعروبياً وقائداً. من سعى لإضعافه حتى مات قهراً؟ وقبله، لماذا اغتيل الملك فيصل بن عبد العزيز الذي حمل فلسطين في قلبه؟
ومن قتل المناضلَين العروبيَّين التحرريَّين اليساريَّين الفذَّين في المغرب العربي المهدي بن بركة وصالح بن يوسف؟ من ترك الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات يموت قهراً في مقاطعته ثم مسموماً، بينما العرب يهدون إسرائيل التطبيع الكامل في قمتهم في بيروت؟ ألم يكن الرئيس العراقي صدام حسين، ومهما اختلفت التقييمات لعهده، مُقلقاً لإسرائيل ومُحدثاً توازناً مع إيران؟ وقبل هؤلاء، من خذل القائد الفلسطيني البطل المجاهد عبد القادر الحسيني حتى ذهب يستشهد قهراً في معركة القسطل؟ من ترك جنوب السودان من دون مساعدات واستثمارات حتى صار لقمة سائغة في فم إسرائيل وبعض الأطلسي فانقسم؟ من شرَّع قصف ليبيا فتقسّمت وتفتّتت أشلاء على وقع الإرهاب؟ ألم يكن العقيد معمر القذافي داعماً مهماً للتنظيمات الفلسطينية؟ من ترك الجزائر تغرق في عشر سنوات من الحرب، وهي التي حملت القضية الفلسطينية نبراساً وفتحت أبوابها لأوائل الاجتماعات الفلسطينية التأسيسية المهمة؟ من تركها مع جارتها المغربية من دون حل لقضية الصحراء؟ ثم من يقتل الآن المقاومة الفلسطينية في الداخل بذريعة معاقبة حماس؟ ومن سمح بإغراق العراق وسوريا بالإرهاب الذي بات السنّة وقوده قبل الشيعة؟
هذا غيض من فيض أسئلة، كانت نتيجتها أن إيران وحزب الله ــــ الموسومين تارة بأنهما شيعة وتارة بالروافض، وأخرى بأنهما مشروع فارسي (كأنما الحضارة الفارسية التي تلاقحت كثيراً مع الحضارة العربية عبر التاريخ صارت تهمة) ــــ قد احتكرا قيادة مقاومة العرب ضد إسرائيل، وها هما مع الجيشين العراقي والسوري يحتكرون مقاتلة الإرهاب على الأرض.
لماذا ترك الحريصون على أهل السنة إيران تلعب كل هذه الأدوار وتتمدّد من العراق الى اليمن وسوريا ولبنان حتى حدود فلسطين، لا بل الى الداخل الفلسطيني؟
إن قلب الرأي العام العربي كان ولا يزال ينبض على قلب فلسطين، ويدرك أن أميركا هي التي حالت دون استعادة حقوق مشروعة لشعب يقاتل بلحمه العاري. هذا الرأي العام العربي كان في حاجة إلى قائد يشبه جمال عبد الناصر. برز اسم السيد حسن نصر الله واحتل القلوب، قبل أن تعود الفتن من جهة، والآلة الدعائية من جهة ثانية، وتورّط حزب الله في سوريا وبعض أخطائه في الخطاب السياسي العربي واللبناني، لتشوّه تلك الصورة أو ليحاولوا تشويهها. لكن نصر الله وحزبه لا يزالان مع المقاومة الفلسطيية المنبوذة من معظم الأنظمة العربية حالياً نبراس المقاومة.
لو أضفنا الى ما تقدم أن مال النفط العربي، وهو في معظمه تقريباً كان ولا يزال في يد أهل السنة، رغم أن بعض الثروات الأساسية هي في مناطق شيعية، صُرف إما على شراء سلاح تكدّس وصدأ في المخازن أو في مصارف غربية نهبته، ندرك حجم مآسي العجز والتخلف وانعدام التنمية.
لماذا تركنا إيران تتفوّق على كل مجتمعاتنا علمياً وتقنياً ونووياً وبالاختراعات وهي المحاصرة والمطوّقة؟ لماذا تركناها تحتكر خيار المقاومة ومقارعة الغرب حتى جاءها الغرب صائغاً ينشد اتفاقاً على حساب العرب وعلى حساب تلك التحالفات التاريخية الوهمية؟ لماذا دفعنا مالاً عربياً هائلاً لشركات معظمها يهودي في أميركا لتلميع صورة هذه الدولة أو تلك، بينما يكفي تصريح إيراني واحد ليحتلّ الصفحات الأولى في الإعلام الغربي؟
لنكن واضحين مع أنفسنا أكثر. لم يشأ الغرب الأطلسي مطلقاً نهضة عربية سنية. لذلك قاتل كل مشاريع الوحدة والتحرر. لم يشأ ديموقراطية وحرية حقيقيتين في أوطاننا، لذلك تحالف وتفاهم مع كل النظم الديكتاتورية والعسكرية والدينية والفاقدة لكل التجارب البرلمانية والتناوب على السلطة.
وحين جاء رأس المال الوفير عبر شخصية اقتصادية وسياسية ذات تأثير كبير كالشهيد رفيق الحريري، طوت فرنسا جاك شيراك بشحطة قلم كل تاريخ «الأم الحنون» مع المسيحيين الموارنة، وقررت أن محاورها الأول في لبنان والعالم السني هو رفيق الحريري.
لو فكّرنا بأنه في لحظة لمعان نجم الرئيس الحريري في سماء المنطقة كقائد عربي سني متربّع على عرش مال وعلاقات دولية هائلة، وفي لحظة لمعان نجم مرشد المقاومة السيد حسن نصر الله في سماء المنطقة كقائد عربي إسلامي يقارع أشرس وأسوأ عدو. كان لا بد من أن يقتل أحدهما الآخر لكي ندخل الفتنة من بابها العريض، ربما نفهم أكثر أسباب الجريمة.
قُتل الحريري. قد تكشف التحقيقات أو لا تكشف من قتله. لكن الجريمة وقعت في لحظة شيعية ــــ سنية مفصلية. فبعد القضاء على رموز السنة المناهضين لإسرائيل وأميركا في الوطن العربي، كان لا بد من توظيف السنة لتطويق إيران وحزب الله وسوريا. نخشى أن يكون هذا ما حصل. ولعل دول الخليج على حق حين تشعر بأن أميركا التي ما عادت بحاجة الى نفط المنطقة بفضل اكتشافاتها النفطية الصخرية الهائلة، وأميركا المتوجهة استراتيجياً الى آسيا والمحيط الهندي، تريد تسليم بعض أبرز مفاتيح المنطقة لإيران.
إيران تدافع عن مصالحها وتوسع دورها. هل نلومها؟
ليس مقبولاً أبداً سماع تصريحات كالتي صدرت عن المستشار الإيراني علي يونسي، أو عن الإعلامي حسن هاني زاده حيال العراق أو العرب. هذه مواقف عنصرية مرفوضة، كما هو مرفوض الكلام عن روافض. لكن، ألم يحن الوقت بعد لنهضة سنية عربية فعلية بدل التباكي والشكوى من دور إيران؟ لو توفر سعودي أو كويتي أو إماراتي أو قطري أو… كقاسم سليماني، يقاتل إسرائيل من جنوب لبنان، والإرهاب على أرض العراق وسوريا، ألم يكن العرب جميعاً، سنّة وشيعة ومسيحيين، سيهبّون للوقوف خلفه؟