IMLebanon

نعم للحوار… لا للمناظرات!

دعا الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله تيار «المستقبل» إلى النزول من برجه العاجي والانفتاح على الحوار مع الجنرال ميشال عون. ونحن بدورنا، نطالب جميع الزعماء والقادة بالنزول من عليائهم والجلوس حول طاولة الحوار التي رافقَت قصرَ بعبدا لفترة طويلة من الزمن، ثمّ غابت عنه بسبب التدخّلات الخارجية والمصالح الإقليمية، والتي كان أوّل مَن دعا إليها الرئيس نبيه برّي عام 2006.

ما هو الخيار أمام اللبنانيين إذا لم يحدث حوار ولم يحدث تفاهم على المشاكل التي يعاني منها الوطن؟ ما هو البديل عن الحوار والتفاهم سوى الانتحار؟ لقد خبرَ اللبنانيون لغة السلاح سنوات طويلة، فماذا كانت النتيجة؟

خراب ودمار وتهجير، وديون تتعاظم يوماً بعد يوم، وبُنى تحتية تهترئ و»تزكي» الأنوف. لا بديل عن الحوار أيّها السادة، ولا بديل عن التواضع والتنازل لبعضنا البعض، وإلّا ضاع البلد وضاعت معه كلّ الشعارات والحقوق والأحلام.

التهويل على بعضنا لا يفيد، عضُّ الأصابع وانتظار الآخر ليَصرخَ «آخ» لا يفيد، التهديد والوعيد والاستفزاز، لغات ساقطة مجَّها اللبنانيون، وما عادت تخيفهم أو تؤثّر بهم. هل يمكن أن يكون البديل عن الحوار المناظرات؟

وماذا تفيد المناظرات والمهاترات و»تقويم الكلام»؟ تزيد الانقسامات والخصومات وتضع شارعاً بمواجهة شارع، وطائفةً في وجه طائفة أخرى، فتتحرّك الغرائز والعصبيات الخامدة تحت الرماد، وتعلو أصوات المصطادين فـي مياه الطائفية النتنة، وأولئك الذين يترقّبون الظرفَ المناسب للانقضاض على ما تبقّى من صيغة وميثاق وعيش مشترك.

لا أيّها السادة، المناظرات لا تفيد «الشعوب اللبنانية» الغارقة فـي عصبياتها الجارفة، ولا تقدّم الحلول التي يحتاجها الوطن، بل تزيد الشرخَ بين اللبنانيين وتعمّقُ إنقساماتهم وتشرذمهم.

فكلّ فريق لديه قناعاته وحججُه، وكلّ فريق سيحاول تسخيرَ التاريخ والأحداث، والأوضاع الاقتصادية والمعيشية المزرية، والفراغ والشَلل وانحلال المؤسسات، وإلقاء تبعات الفشَل على الفريق الآخر دون حرَج أو خجل، ناكراً كلّ أخطائه وخطاياه وكلّ ما سَبَّبه لهذا الوطن من بؤس وفَقر واهتراء.

كلّ لبناني غيور على وطنه، يفَضّل ألفَ مرّة أن يبقى الانقسام بين فريقَي «8 و14 آذار» على حاله، بين مَن يريد قيام الدولة القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كلّ أراضيها، وتطبيق القانون على الجميع بلا إستثناء، وبين مَن يريد بقاءَ السلاح غير الشرعي المتفلّت في الداخل والمتورّط في سوريا وفي أماكن أخرى بلا حسيب أو رقيب.

وبين فريق يَحضر إلى المجلس النيابي عند كلّ دعوة لانتخاب رئيس للجمهورية ويسعى لإعادة عمل المؤسسات، وبين فريق يقاطع جلسات إنتخاب الرئيس لأسباب شخصية أو لأسباب خارجية لا دخْلَ للبنان فيها، ومن ثمّ يعَطّل المؤسسات ويشلّ البلد والاقتصاد.

نعم، الأكثرية الساحقة من اللبنانيين تفَضّل هذا النوع من الانقسام الداخلي، ولو كان مُستهجَناً وممقوتاً، لكنّه في النهاية يبقى انقساماً على المبادئ والتوَجّهات الوطنية والسياسية، لا انقساماً طائفياً أو مذهبياً لا طعمَ له ولا لون سوى التعَصّب الأعمى والتمترس القبَلي البغيض. نعم للحوار، ولا وألف لا للمناظرات والمهاترات.

نعم لحوار «حزب الله» و»المستقبل»، نعم لحوار «التيار» و»القوات»، نعم لإعادة طاولة الحوار الجامعة لكلّ الأطراف. فإذا كانت بعبدا غائبة أو غيَّبوها، فعين التينة تفي بالغَرض وهي على «قدّ الحِمل»، والرئيس نبيه برّي الخبير فـي شؤون البلاد والعباد، والعارف المتمرّس في قضايا ومشاكل الوطن، والذي كان السَبّاق دوماً في الدعوة إلى الحوار والتفاهم، ونجَح مراراً فـي تهدئة الأوضاع وترطيب الأجواء وحلّ بعض المشاكل والنزاعات ونزْع فتيل الفتَن الحاضرِ دوماً للاشتعال، مدعوٌّ اليوم أكثر من أيّ وقت مضى إلى إعادة إحياء طاولة الحوار قبل خَراب البلد. فلنسَلّم أمرَنا إلى دولة الأستاذ النبيه الذي يعرف الداءَ جيّداً، والذي لا بدّ يوماً مِن أن يصفَ الدواء الشافي من دون التطلّع إلى الوراء.

إنّ الاستسلامَ للواقع الحالي واعتبار الفراغ الرئاسي حدَثاً عاديّاً كالخلاف على تعيين ضابط أو مدير، وبالإمكان تأجيله إلى ما شاء الله، واعتبار تعطيل مجلسَي النواب والوزراء انتصاراً لفريق على فريق أو كأنّه قضاءٌ وقدَر، وبالإمكان تسيير أمور الوطن والناس والعباد من دون وجود رئيس ولا تشريع ولا سلطة تنفيذية، هو قمَّة الجهل واللامسؤولية، وهذا شيء لا يقبله منطق ولا عقل، وترفضه أكثر الديكتاتوريات ظلماً وجَهلاً وفساداً. رحمَ الله مَن قال: «يعتقد رجل الدولة أنّه ملْكٌ للأمّة، ويعتقد رجل السياسة أنّ الأمّة ملْكٌ له، وما أكثرَ السياسيين عندنا». أين أنتم يا رجال الدولة؟