الدعوة التي أطلقها “حزب الله” أخيراً إلى “تيار المستقبل” لفتح حوار مع “التيار الوطني الحر” جيدة على قاعدة ان قنوات الاتصال بين القوى السياسية اللبنانية يجب أن تبقى مفتوحة مهما توسّعت بينها في مرحلة من المراحل شقة الخلاف.
“الحوار” بين “تيار المستقبل” و”التيار الوطني الحر” يجب أن يعود، بعدما انقطع إثر وصوله إلى ساعة الحقيقة بالنسبة إلى موضوعي ترشح ميشال عون لرئاسة الجمهورية، ثم خوضه حملة لإيصال صهره شامل روكز إلى قيادة الجيش. انقطع “الحوار” بعدما فهم عون أن “تيار المستقبل” لا يسعه تأييده للوصول إلى الرئاسة، رغم انه تبلّغ مرارا ان طريق بعبدا لا تفتح إلا بإعادة تموضع عون سياسياً، بحيث يخرج اولا من اصطفافه السياسي خلف “حزب الله” العامل ضمن محور يمتد من طهران إلى حارة حريك مرورا بالقرداحة، وهذا ما يحول دون تأييد القوى الاستقلالية له. وتبلّغ عون أيضاً ان الاستحصال على تأييد القوى المسيحية الكبرى في التيار الاستقلالي شرط أساسي لتصب أصوات “تيار المستقبل” التي تزيد على الثلاثين في مجلس النواب خلفه. وكانت الحكمة من هذه “الشروط” أن عون يجب أن يصير مرشحاً جامعاً وممثلاً لأوسع توافق لبناني، باعتبار أن رئاسة الجمهورية هي رأس الدولة ورمز لبنان الواحد قبل أن تكون منصباً مسيحياً. وتأزمت العلاقات أكثر بعدما التفّ عون على المعركة الرئاسية (المعطلة) ليخوض معركة إيصال صهره إلى قيادة الجيش في الوقت الضائع، مستهدفاً إطاحة مرشح جدي هو قائد الجيش الحالي جان قهوجي.
معظم العارفين الذين تابعوا التحسّن الكبير في العلاقات بين عون والحريري، كانوا يدركون ان عون هادن في الشكل، لكنه لم يغير في العمق طبيعة اصطفافه خلف “حزب الله”، وأن “الهدنة” التي انتهجها في خطابه السياسي مع “تيار المستقبل” ومختلف القوى الاستقلالية كانت مرحلية بهدف تسهيل وصوله إلى هدفه. فعون لم يتغيّر إلا ظاهريا، إلى درجة أنه، رغم “حواره” مع حزب “القوات اللبنانية” لم يستطع انتزاع تأييد أي طرف من القوى الاستقلالية المسيحية له رئيساً.
صحيح ان “الحوار” مع عون اثمر خلال فترة تشكل الحكومة الحالية، ثم تسهيلاً لأعمال الحكومة، وهذا جيد، لكنه لم يرقَ مرة واحدة إلى معطى ثابت وراسخ يمكن البناء عليه لتصور عون رئيسا للجمهورية، أو حتى صهره قائداً للجيش الذي يخوض اختبارا تاريخيا شديد الخطورة والحساسية.
لكن رغم ما اسلفنا، نقول ألا مناص من “الحوار” بين القوى السياسية اللبنانية. وهذا ينطبق على كل من “تيار المستقبل” و”التيار الوطني الحر” اللذين ينبغي ان يتجاوزا مرحلة عدم الاتفاق على عون رئيساً، أو روكز قائدا للجيش، ليركزا على ما يمكن التوافق عليه من قضايا تهم المواطن اللبناني في حياته اليومية. من هنا دعوتنا إلى إحياء “الحوار”، ولكن من دون وعود!