IMLebanon

تهتمون بأمور كثيرة.. والمطلوب واحد  

 

لم يلقَ موقف وزير المال علي حسن خليل في جلسة مجلس الوزراء، في السراي الحكومي أول من أمس، انتصاراً لوزير الزراعة غازي زعيتر، قبولاً من غالبية الوزراء الذين ينتمون الى أفرقاء سياسيين متعددين.. خصوصاً وأن «انتصار» خليل لزعيتر جاء على خلفية شكلية أنه والوزير زعيتر من «تيار سياسي واحد..» و»لا نقبل التعاطي معه بهذه الطريقة..» خصوصاً أكثر أنه يأتي في ظل اشتباكات داخلية بين الرئاستين الاولى والثانية على شيء لا يستحق ذلك.

 

المسألة من أولها الى آخرها لا تستأهل كل ما حصل، «ولا دوافع، ولا أسباب شخصية او سياسية وراء تأخير ادراج بنود وزارة الزراعة على جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء.. وما شكا منه زعيتر شكا منه آخرون».. ولم تقم القيامة.. وقد درجت العادة والتقاليد والاعراف على ان يتولى رئيس الحكومة هذه الصلاحية، وعندما تجهز البنود تدرج بالاتفاق على جدول الأعمال بالاتفاق مع رئيس الجمهورية..

في قناعة البعض ان ما حصل «لم يكن رمانة بل قلوب مليانة» في دلالة على ما آلت اليه الامور منذ وقت غير بعيد، وان لم تكتسب علنا بعداً سياسياً، إلا أنها لم تكن مجردة عن السياسة والاستحقاقات التي باتت على الأبواب، والجميع يتحضرون للانتخابات النيابية المقبلة في أيار وليس هناك بعد خريطة تحالفات واضحة وجلية ومقنعة حتى الآن..

من أسف، ان الافرقاء اللبنانيين، في غالبيتهم الساحقة، يعطون ذواتهم أهمية تفوق مرات الاهمية التي يجب ان تعطى للمصلحة الوطنية والتحديات التي تواجه لبنان على غير صعيد، وعلى غير مستوى من أبرزها قديماً التحديات الاسرائيلية وتداعيات حروب «الاخوة الاعداء» على الداخل اللبناني، وحديثا التحديات الاميركية – الاسرائيلية التي تصوب على فريق من اللبنانيين («حزب الله») باتهامات بالغة الخطورة، من بينها «الارهاب» وآخرها المتاجرة بالمخدرات، وتشكيل لجان تحقيق رفيعة المستوى لتعقب الحزب واتخاذ الاجراءات العقابية ضده، وتشويه صورته على المستوى الدولي..

ليست جديدة المواقف الاميركية (الاسرائيلية) ضد «حزب الله» الموصوف بأنه حركة «إرهابية» على خلفية عدائه لـ»إسرائيل» وعداء «إسرائيل» له ولكل المقاومات التي ترفض الخضوع لهذا الكيان الغاصب.. وقد تعزز ذلك واتسع مع انخراط الحزب في صراعات اقليمية لم تلق قبولاً من العديد من الدول العربية.. كما لم تلق قبولاً من العديد من الافرقاء اللبنانيين بالنظر الى ما يمكن ان تتركه هذه التدخلات من ارتدادات سلبية على الواقع اللبناني وعلى جميع الاصعدة والمستويات، فكانت سياسة «النأي بالنفس» واحدة من الاجراءات التي لم يتم الالتزام بها من قبل عديدين.

تعطي الولايات المتحدة الاميركية لنفسها الحق في التدخل في كل «شاردة وواردة»، على امتداد الكرة الارضية، وهي ترى ان ذلك حق تاريخي لها – ممنوع على غيرها – بالنظر لما تمتلكه من عناصر القوة العسكرية والمادية والاقتصادية.. ومن أسف، ان غالبية هذه التدخلات الاميركية، لم تكن في صالح شعوب أي دولة من دول العالم، بل على العكس ذلك، خصوصاً أكثر في منطقة الشرق الاوسط، وتحديداً في «الشرق العربي» حيث يحتل «الكيان الاسرائيلي» مركز الصدارة في أولويات الاهتمامات الاميركية، وتعزز أكثر بمجيء دونالد ترامب على رئاسة الدولة الاقدر في العالم.. والذي بعث برسالته الاولى الى دول وشعوب المنطقة العربية خصوصاً والاسلامية عموماً باعلانه المشين والبالغ التحدي، القدس عاصمة لدولة «إسرائيل» ونقل السفارة الاميركية من تل أبيب اليها.. ومضى في خياراته الاستفزازية تلك على رغم شبه الاجماع الدولي على رفض هذه الاجراءات التي تهدد باقتلاع ملايين الفلسطينيين من أرضهم، أرض ابائهم وأجدادهم، وهم أصحاب الحق الحقيقيين، لا اليهود الذين يؤتى بهم من كل اصقاع الارض.

مضت الادارة الاميركية في قرارها، وهي تنظر الى كل جماعة، او فئة، او تيار، او حزب او فصيل يخالف هذا التوجه على أنه «عصابة ارهابية»، وتضغط على دول العالم للاقتداء بها، والتعامل معهم على أنهم فصائل ارهابية، وما يقتضيه ذلك من اجراءات عقابية..

لم يكن لبنان بعيداً عن هذه الاجراءات العقابية، وهو المحاذي لحدود فلسطين المحتلة الشمالية، وقد تعرض على مدى السبعين عاماً الماضية، وما قبلها لاعتداءات اسرائيلية متكررة ويومية، وصلت حد الاجتياحات الكبيرة، على نحو ما حصل في العام 1982، واحتلال العاصمة بيروت، التي خرج منها الاحتلال تحت وطأة ضربات المقاومة وهم يصرخون قائلاً: «لا تطلقوا النار.. لا تطلقوا النار.. انا راحلون»؟! فكان لبنان الدولة الوحيدة يرغم «إسرائيل» على الانسحاب من أراضيه المحتلة من دون أي اتفاق على نحو ما حصل مع العديد من الدول العربية..

المخطط الاسرائيلي ماضٍ برعاية اميركية مباشرة.. ولم يكن لبنان بعيداً عن عين العاصفة، بعدما وضع «حزب الله» ومؤسسات اقتصادية ومالية في خانة الاجراءات العقابية الاميركية، فبادر الرئيس سعد الحريري الى زيارة واشنطن ولقاء كبار المسؤولين لتجنيب لبنان تداعيات ما يمكن ان يحصل.. وقد نجح في تجميد هذه الاجراءات الى ان عادت قبل يومين الى الواجهة من جديد مع اعلان وزارة العدل في بيان لها (أول من أمس) انشاء وحدة خاصة للتحقيق حول «حزب الله»، الذي تتهمه الادارة الاميركية بالحصول على تمويل عبر الاتجار بالمخدرات، وهي (أي الادارة الاميركية) تسعى حالياً الى اقناع الدول، وفي مقدمها دول الاتحاد الاوروبي الى اعلان «حزب الله» منظمة ارهابية، وعدم الفصل بين جناحه العسكري وجناحه السياسي..؟! وهي مسألة بالغة الخطورة، توجب على الجميع النظر بمسؤولية ازاء التحديات التي تهدد لبنان والمنطقة عموماً، ولا بد من ان يصارح المسؤولون بروح المسؤولية التاريخية ويضطلعوا بمهمات العمل من أجل النأي بلبنان عن هذه المخططات وتوحيد الكلمة والمواقف والاجراءات لاحباط المخططات الاميركية – الاسرائيلية هذه.. والكف عن سياسة البحث عن سياسة «القشة التي قصمت ظهر البعير..»؟! ما ينطبق عليهم قول السيد المسيح، عيسى بن مريم عليه السلام: «مرتا، مرتا، تهتمين بأمور كثيرة وتضطربين والمطلوب واحد..»؟!