بعض التعابير البسيطة يغني عن كتب سميكة. ومنها مثلٌ طازج تمثَّل في “قوم بوس تيريز” للدلالة على وجود رئيسين، واحد فعلي وآخر ظله الأمين. وفي مأثور الكلام كثير من نمط “ما قلّ ودل” و”لكل مقام مقال” وغيرها مما يمكن استخدامه في أكثر من اتجاه لتحديد الموضوع أو تصويب البوصلة أو التأثير في الرأي العام.
بالتشابه، كان لافتاً أمس رفع صورة تغني عن الكلام لوزير البيئة على مكب للنفايات في الشمال. وهي وسيلة احتجاج بسيطة ومباشرة وقوية يمكن تعميمها لحض الوزير المسؤول، على انهاء الأزمة المعيبة بدل العراضات الاعلامية والنبرة الصالحة للثرثرة في المسلسلات.
وبالتأكيد، فإن خطوة تحديد المسؤول مباشرة، أكثر فائدة من نظرية “كلن يعني كلن”. فهذه اثبتت عدم جدواها في ذروة الحراك المدني الذي جمع عشرات الآلاف وسط بيروت في 2015 وانتهى بفشل تدفع ثمنه حتى اليوم منظمات المجتمع المدني وحركة الاحتجاجات.
وعلى منوال ذاك الحراك يطيب التعميم العقيم في المقدمات النارية العصماء التي تفتتح بها محطات التلفزيون نشراتها الاخبارية أو في برامج “التوك شو” التي تستخدم كلاما شبه بذيء للفت الأنظار، وهي ولو حققت نسبة عالية من المشاهدين فإنها تفقد التأثير كونها تضيّع المسؤوليات وتهرب من التصويب المباشر الى اللعب على الكلام. وتشبه مقدمات التلفزيون مقالات في الصحافة المكتوبة تستحضر فيها أنواع البلاغة وصنوف البديع كلها، من جاحظ “البيان والتبيين” الى “تموزيات” فؤاد سليمان، و”مفكرة” أمين نخلة. والأدهى، تلك الكتابات التي تعلن اليأس من “الطبقة السياسية” والقرف من متابعة الكتابة والعيش معنا في أوحال هذه البلاد. وكلها لم تحقق هدفاً ولم تصب فاسداً بسهم، ولم تدفع مسؤولاً الى التصدي لمشكلة وإيجاد حل.
بدلا من التشويش ذلك يمكن استخدام نموذج صورة وزير البيئة للتوجه مثلاً الى أركان البلاد والفاعلين فيها، كل في اختصاصه، فنقول لأبرز هؤلاء بالمباشر وبإيجاز شديد:
لفخامة الرئيس: أنت مؤتمن على الدستور فاحرص على جوهر عملك ولا تدخلنا في متاهات دستورية وفي التوريث.
لدولة رئيس البرلمان: انت ميزان. التفت الى مصلحة لبنان قبل حلفك المقدس مع “حزب الله”.
لدولة رئيس الحكومة: حان وقت الجد. استضعفوك فوصفوك. تشدَّد وكن رجلاً كما أوصى داوود ابنه سليمان.
لوزير الخارجية: كفى تدميراً للصيغة وإثارة للنعرات. تريد الرئاسة؟ خذها. ولكن ليس على جثث العباد.
لأمين عام “حزب الله”: انت الأقوى فلا تتمترس بأقزام. أفرج عن الحكومة وعن ورقة ايرانية اسمها لبنان.
وهكذا… علَّ كل مسؤول يتحمل مسؤوليته امام الناس، فيبادر الى انجازٍ ما!