مضحك هذا الرهان المتمادي على تطورات إقليمية ودولية من قبل قيادات وزعامات لبنانية، لتوظيفها في الداخل، اعتقاداً (خاطئاً) من المراهنين بالقدرة على تحسين المواقع فتعزيز الحصص.
وفي تقديرنا أن المراهنين ليسوا طرفاً واحداً! هذا واقع يتأكد أكثر فأكثر إذا راجعنا المواقف والتصريحات التي كانت تتبدّل بين مرحلة وأخرى، وحقبة وثانية. وكثيراً ما كان التبدل يطرأ وفق ما تميل الرياح في سوريا. فلهجة فريق كانت ترتفع كلما إنخفضت حظوظ النظام السوري في الإستمرار. ولهجة فريق آخر ترتفع كلما إزدادت حظوظ النظام في تثبيت موقعه. الفريقان كانا يراهنان على حرب اليمن. احدهما كان يراهن على فشل الإئتلاف والآخر كان يراهن على إنتصاره. ثم خرجت اليمن من معادلة الفريقين بعدما ثبت أن في اليمن حرباً لا نهاية منظورة لها بقدر ما إنها لا هوادة فيها و… لا منتصراً.
ولا نقول جديداً عندما نضيف إن البعض يراهن على العقوبات الأميركية (الجديدة المرتقبة خلال أيام) على إيران وحزب اللّه، لتحسين موقع هذا الفريق الذي تبدو أطراف فيه تدعو الى التريث في التشكيل. وإن البعض الآخر يراهن، اليوم، على أن ترهق قضية جمال خاشقجي كاهل المملكة العربية السعودية.
ويمكن الإسترسال طويلاً في ضرب الأمثلة (…)
ونرى أنّ هذه الرهانات كلها لن تحقق إنتصارات في الداخل. وإذا ما خيل للبعض أنه إنتصر في رهان ما، فسرعان ما يكتشف أنه لا يقبض إلاّ على الريح!
والواضح أننا لا نتعلم من تجاربنا، بالرغم من مراراتها الهائلة فإننا نصرّ على أن نصوّر أنفسنا لاعبين أو مشاركين في لعبة الكبار. أمّا الواقع فهو إننا مجرّد أدوات صغيرة في لعبة الكبار الذين يستخدموننا في الإساءة الى الذات، وفي تدمير الذات.
لقد كانت حروبنا الأخيرة التي تناسلت حروباً الدليل شديد البلاغة على الجهل والسخافة خصوصاً على التهوّر من دون حسبان أو حدود. راهن بعضنا على المنظمات الفلسطينية، وراهن بعضنا الآخر على إسرائيل. وكان رهان على سوريا ورهان على العراق. وبلغ سوء القراءة في الأطراف حدّ الإعتقاد بالقدرة على تغيير السياسات والمواقف الدولية من واشنطن الى موسكو، ومن مكّة المكرّمة الى حاضرة الفاتيكان.
فماذا كانت النتيجة؟
حروب مدمّرة نقلتنا من الطليعة (في المنطقة) الى الذيل! ومن الإزدهار الى الفقر. ومن الريادة الى حصر الطموح بتقليد الآخرين ومن دون نجاح! من المثال الديموقراطي الأوحد في هذا الإقليم الى العجز عن تشكيل حكومة!
آن الأوان كي ندرك أننا «نجحنا» بفضل سوء التقدير حتى الغباء، أن نتحوّل الى أحجار شطرنج، في أفضل الأحوال، ينقلها الآخرون من خانة الى خانة وفق مصالحهم… وفي معظم الأحوال الى كرة (وليؤذن لنا التعبير القاسي) تتقاذفها الأرجل لتسجيل الأهداف على حساب مصالحنا ومستقبل أجيالنا الطالعة ومصير وطننا.
وليتهم (جميعاً) يكفون عن هذه الرهانات الغبية.