عام 2010 ذاع الصيتُ عن نيّة بكركي إنشاءَ مشروع مار سمعان السَكني في أردة قضاء زغرتا، بغية تشجيع الشباب الماروني على التجَذّر بأرضهم، ومساعدتِهم على الوقوف في وجه التغيير الديموغرافي الحاصل في المنطقة. ولكن بعدما تقدّمَت الطلبات وبدأت مجموعة واسعة من الشباب «التقسيط»، حصلَ تبَدّلٌ في الأسعار، ما دفعَ قِسماً كبيراً إلى الانسحاب. ما صحّة هذه الرواية؟ ماذا يقول الشباب؟ وبماذا يردّ مدير عام الصندوق الماروني الأب نادر نادر؟
تقع بلدة أردة على كتف زغرتا، ويحدّها كلّ من البلدات التالية: مرياطة وعلما وحوارة التي تضمّ المسيحيين الذين هُجّروا من أرضهم في الضنّية إبّان الحرب الأهلية. ولبلدة أردة رمزية ودلالة كبيرة، حيث كانت في حرب السنتين بمثابة الحدّ الفاصل بين زغرتا والمحيط، ومنها انطلقت خطوط التماس الزغرتاوية.
من هنا نشبَت حربٌ ضروس في تلك المنطقة لحماية الوجود المسيحي في الشمال دفعَت بأهالي زغرتا والجوار للقتال على جبهة واحدة في سبيل الدفاع عن وجودهم، بعد أن نشبَت في تلك المنطقة معركة اليرموق وهي أكبر معركة شهدها مسيحيّو لبنان، ما دفع الرئيس الراحل كميل شمعون عند سؤاله عن مستقبل المسيحيين الإجابة بأنّ مستقبلهم ومستقبل لبنان رهن بجبهة زغرتا.
سياسة ممَنهَجة
سياسة الزحف نحو زغرتا معقل الموارنة لتهجير الموارنة منها، لا يزال معمولاً بها وسارية حتى يومنا هذا. هذه الهجمة غير الإعتيادية تنبّه لها آنذاك كلّ من الرئيس الراحل سليمان فرنجية والرئيس الشهيد رينه معوّض حيث منعا الزغرتاويين من بيع أراضيهم للغريب. ولكن بعد وفاتهما، لم يمسك أحد بزمام الأمور ويلجم البيع، فبدأ الزحف من كلّ حدب وصوب نحو زغرتا بدءاً ببلدة مرياطة مروراً بعلما وصولاً إلى إهدن.
بدء تنفيذ المشروع
بعدما قدّمت أبرشية طرابلس المارونية قطعة أرض بمساحة 17 ألف متر مربع، بدأ مدير عام الصندوق الماروني الأب نادر نادر عام 2010 بتنفيذ المخطط بعد رسم خريطة طريق قضت بجمع عدد من الشباب المسيحي تسويقاً للمشروع. فبدأت الإجتماعات المتتالية في قاعة كنيسة القديسة ريتا في أردة، وفي دير مار سركيس وباخوس بحكم توليه رئاسته في تلك الفترة، من أجل اقناع الشباب المسيحي بشراء شقق في مشروع مار سمعان.
أقساط طويلة الأمد
على هذا الأساس، ولأنّ الشباب الزغرتاويين لهم ملء الثقة بالأب نادر وبالمؤسسات المارونية التابعة لبكركي، إضافة إلى حاجتهم الماسة لغرف يسكنونها إذ لا يمكنهم دفع مئات الملايين ثمن شقة… هذه العوامل مجتمعة شجعتهم على الإقدام على هذه الخطوة، وبدأ الجميع بتطبيق آلية العمل التي قضت بدفع مبلغ يبدأ بـ 60 ألف دولار «الذي هو سعر الشقة» يُجزَّأ على أعوام عدة على أساس 300 دولار شهرياً. هذا ناهيك عن التأمين السنوي وهو كناية عن 150 دولاراً أميركياً أيضاً.
انسحاب 80% من الشباب
قبل عام من البدء بتنفيذ المشروع انسحب ما يقارب 65 شاباً مسيحياً من مشروع مار سمعان السكني بعد أن تراجع الصندوق الماروني عن العقود التي أبرمها معهم، على ذمة ما يقول هؤلاء، لتتغيّر معه بالتالي أسعار الشقق.
ويشرح أنطونيو فنيانوس، يوسف صادق، رامي نادر وأنطوان عبود كيف دعاهم وبعد أكثر من 3 سنوات على التقسيط، الأب نادر إلى اجتماع في قاعة كنيسة «سانت ريتا» بأردة ليخبرههم أنّ سعر الشقة ارتفع من 60 ألف دولار إلى 115 ألف دولار، معلِّلا أنْ لا طاقة لبكركي على تحمّل مزيد من الأعباء المادية، طالباً منا أن نستدين من صندوق الإسكان، وأن نواصل التقسيط للصندوق الماروني وصندوق الإسكان في الوقت نفسه»، الأمر الذي جعلنا نُصاب بالخيبة والصدمة لأسباب عدة أولها أننا لسنا في القطاع العام كي نستدين من الإسكان، ولكن في حال موافقته على طلباتنا علينا أن نكون قد سدَّدنا 30% من سعر الشقة.
ولو كنا نملك هذا المبلغ لكنّا ابتعدنا عن نقطة أردة بحكم أنها خط تماس بيننا والجوار». ولأنّ معظمنا غيرُ قادر على المضي بالشروط الجديدة «انسحب من بيننا ما يقارب 80% فيما انسحب الجميع تقريباً في فترة لاحقة لعدم قدرتهم على المضي بالشروط الجديدة».
الأب نادر نادر
غير أنّ مدير عام الصندوق الماروني الأب نادر نادر دحض في حديثه لـ «الجمهورية» جملة وتفصيلاً كلّ ما جاء على لسان الشباب، وقال: «منذ اليوم الأول من بدء العمل بمشروع مار سمعان السكني والأمور كانت موضوعة في نصابها، وكان شرطنا الأساس تقسيط الدفعة الأولى على مدى أعوام عدة تمهيداً لتأمين المبلغ المطلوب وتحويله إلى صندوق الإسكان، إلّا أنّ عدداً من الشباب تراجع بعد فترة لأسباب محض شخصية ما دفعني إلى حسم تكاليف معاملات صندوق الإسكان من جيب الشباب الخاص.
كما أنّ سعر المتر في بلدة أرده يناهز الـ850 دولاراًُ «ونحن قدّمناه للشباب المسيحي بـ650 فهل نكون بهذه الحال نحتال عليهم وننهبهم؟ ورغم كل المشكلات التي اعترضتنا، وصلنا اليوم لنقول لتسعين عائلة، تفضّلوا هذه بيوتكم، وهذه المحال التجارية لكم ولخدمة المنطقة».
وأردف الأب نادر يقول: «من المعيب وغير المقبول البتة تشويه الحقائق، فالكنيسة قامت من خلال الصندوق الماروني بالمساعدة على تأمين مساكن للراغبين من ذوي الدخل المحدود والمشروع الذي نُفِّذ في بلدة أردة هو خير دليل».
وكعربون شكر وتقدير لمطرانية طرابلس التي قدمت الأرض، قرر الصندوق الماروني تحويل مبلغ من المال كهدية للمطرانية «فأقريت زيادة 25 دولاراً على كلّ شخص ليصبح مجموع المبلغ ما بين 200 و300 ألف دولار.
«وهنا أعترف بالخطأ لأني لم أضع الشباب في صورة مسبَقة حول هذه الخطوة». أما في ما يتعلق بالتلزيمات فلا علاقة للكنيسة بها بعدما رست المناقصة على مؤسسة ميلاد برمو التي قدمت أسعاراً مدروسة» من هنا فإنّ علاقتي كصندوق ماروني هي مع برمو.
كذلك نفى الأب نادر فكرة أن يكون شخص من آل ماضي قد استأجر مخزناً ليبيع فيه حلويات «فمن خلال المستندات التي أمامي أجزم أنّ المخازن بيعت للمسيحيين غير أنه لا علاقة للصندوق الماروني إن قام أحدهم بتأجير مخزنه أو دخل بشراكة مع شخص آخر مغاير لطائفته. إذ ذاك ما هو ذنب المشروع الماروني والكنيسة وما الخطيئة التي نكون قد اقترفناها؟».
الكنيسة أمّ ترعى أبناءها
وأضاف الأب نادر: «الكنيسة هي أم ومعلمة يقول البابا يوحنا بولس الثالث والعشرين، هي أم تعرف أولادها يصغون إلى تعاليمها ويواكبون تحرّكاتها، فإذا بالكنيسة الأم تعقد سينودوس من أجل لبنان-الرسالة، وتركّز على أهمية إدارة الأملاك فيها، ويحذو حذوها المجمع البطريركي الماروني ويفرد فصلاً كاملاً عن أهمية الأرض والانماء الإجتماعي.
وانطلاقاً من هذه المفاهيم الروحية، انطلقت الكنيسة المارونية، في التفتيش عن كيفية تأمينها حاجات شعبها لذا أنشأت سنة 1986 الصندوق الإجتماعي الماروني لتلبّي تطلّعات أبنائها على الصعيد الصحي والتعليمي والسكني، فكان الصندوق التعاضدي الإجتماعي الصحي وكان الصندوق الإجتماعي الماروني أو المؤسسة الإجتماعية المارونية للسكن.
وشدّد الأب نادر على أنّ هذه المشاريع هي الجواب على حاجات المناطق من أجل التجذّر بالأرض والمحافظة على عيش الشراكة والمحبة، شراكة العيش المشترَك ومحبة الأرض ومحبة بعضنا لبعض. إيمانًا منّا بأنّ الأرض هي لله كما يقول الكتاب المقدس. هذه المبادرات التي أخذتها المؤسسة المارونية على عاتقها، نابعة من قلب كبير مفعَم بالحبّ والعطاء ومحبة الآخرين، هو قلب صاحب السيادة المطران رولان أبو جوده».
مساعدات الكنيسة جمّة
من ناحيته شكر الناطق باسم المشتركين في المشروع الماروني سمعان ديب، الكنيسة على دعمها للعائلات المسيحية ومساعدتها لتكون عائلات مسيحيّة صالحة. كما خصّ بالشكر الأب نادر نادر الذي قدّم تسهيلات لا تُعدّ ولا تُحصى سعياً منه لتشجيع الشباب على التملك والحصول على شقق لو مهما كلف الثمن.