لنعترف بأنّ الشعب اللبناني في معاناة كبيرة بأكثريته الساحقة، في هذه الأيام العصيبة التي ينام فيها على هزّة ويستفيق على هزات، وما أن تأتيه «خبرية» موجعة حتى تأتيه، في أعقابها، خبريات أشد وجعاً وإيلاماً.
مسكين هذا اللبناني. مساكين اللبنانيون عموماً الذين كتب عليهم أن يعيشوا على حد السكين. فما إن ينتهوا من أزمة حتى تدهمهم أزمات في بلد يؤلمنا أن نكرر أن المسألة فيه تصبح قضية، والقضية تصبح أزمة، والأزمة تصبح مأزقاً، والمأزق يكربج البلد ويضربه في إقتصاده وهنائه.
جميع شعوب العالم لديها أزمات وقضايا ومسائل. ولكننا نمتاز عنها جميعاً بأن أزماتنا وقضايانا مصيرية، أو تصبح مصيرية بسبب هذا الهزال في معظم القيادات، وتلك الضحالة في الأفكار الخلاقة، بل العقم في الأفكار ما يترجم عجزاً عن إبتكار الحلول.
قديماً «تشاطر» أمامي قيادي أمني كبير عندما سألته: ماذا فعلت وتفعل لفخامة الرئيس حتى يكن لك محبة وتقديراً؟ (وكنا، كلانا، صديقين مقرّبين من الرئيس) فأجابني: لسبب بسيط جداً وهو إذا واجهته أزمة ليس لها حل أوجدت له ثلاثة حلول. علماً أنني وإياه كنّا نعرف أن ذلك مجرّد كلام متذاكٍ لا أكثر ولا أقل.
من هنا، من هذين الضحالة والعقم نجد أنفسنا في الهاوية التي ما أن نُنْتَشَل منها حتى نقع في سواها أكثر عمقاً. وبين هاوية وهاوية يفوتنا القطار تلو القطار، فتتقدم شعوب الأرض قاطبة ونبقى نراوح في المكان والزمان… فإذا إدارتنا لا تزال «عثملية»، وإذا بنا نغرق في أكوام النفايات التي تحمل لنا (إضافة الى الترف وكريه الروائح) الأمراض والإساءة الهائلة الى البيئة وتلويث المياه الجوفية وسقوط السمعة الدولية.
فليس من بلد في العالم، في هذا الزمن يتراجع كما تراجعنا. وليس من بلد في هذه الدنيا تتحوّل النفايات عنده الى أزمة تزكم روائح فضائحها والعجز معاً الأنوف أكثر مما تزكمها روائح «عطور» تلك النفايات!
أحوالنا سيئة في كل منعطف: لسنا قادرين على إجراء إنتخابات نيابية، وربما لن تجرى إنتخابات بلدية، ولسنا قادرين على تشكيل حكومة سويّة في ظروف طبيعية، ولسنا متمكنين من إنتخاب رئيس للجمهورية… ونحن في حال سياحية مزرية، وفي وضع إقتصادي متدن، وفي أزمة مالية (الخزانة العامة) مروّعة، وفي علاقات مضطربة في الإقليم، وافتقدنا دورنا الريادي مع العالم، ومزّقنا «الدور الرسالة» الذي منحنا إياه البابا القديس يوحنا بولس الثاني… وخطابنا السياسي، في أكثريته يرتكز الى الحقد والكيدية و»تسجيل النقط». ويكذب معظم قادتنا على سواهم وحتى على أنفسهم… وصحف العالم وسائر اعلامه حوّلتنا الى مهزلة… وهل نتحدث عن التجاوزات والسرقات والإعتداد بثقافة الربح بأي وسيلة ولو على حساب القيم كلها، والكرامات كلها؟!
وبعد… أتريدون أن يكون اللبنانيون مغرَمين بإنجازاتكم الفظيعة؟!