Site icon IMLebanon

يا صاحب الفخامة : الكرامة… الكرامة

لا تعوز النائب عباس هاشم الحنكة اللغوية، الوزير سليم جريصاتي يفترق عنه، وهو يصوغ او يتلو بيانات تكتل التغيير والاصلاح، باللهجة الرومانية (سواء بطريقة شيشرون او بطريقة سعيد عقل..)

لكننا لا ندري الى اي مدى يتمتع نائب بلاد جبيل بالحنكة السياسية، كما لا ندري مدى فاعليته داخل التكتل،نذكره فقط بقول هنري ميشو «الخيال ان شطح يكسر الرجال». قد يسأل البعض «الم يكن تبني الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع ترشيح العماد ميشال عون ضرباً من الخيال؟»

النائب هاشم قال «اننا امام اعادة تكوين نظام جديد بالتدرج وبالعقل المنفتح وبالوعي»، وما مشاكل ذلك من الاشكال اللغوية البراقة… بادئ بدء، نحاول ان نحلل ما المقصود، ومن المقصود، بكلمة «اننا». اذا كان يقصد السادة: اعضاء التكتل، فالثابت ان الكثيرين منهم اندمجوا في اللعبة السياسية، او في الطبقة السياسية، اياها ودون ان يرف لهم جفن…

واذا كان يقصد السادة اللبنانيون، فهل اللبنانيون متفقون على الماضي والحاضر كي يتفقوا على المستقبل. لكنا انزلقنا الى اللغة الطائفية. وكلنا رهائن في يد الاكليروس السياسي او الاكليروس الديني. العجيب ذاك التقاطع العجيب بين الكهنوت السياسي والكهنوت الديني في لبنان…

الكل يشدون الكل الى الوراء. نظام جديد وبـ«التدرج»؟ الا اذا كان صاحب السعادة، الاتي من بلاد الابجدية الاولى، واقعي الى الحد الذي يجعل كلمة «التدرج» تمتد الى الف عام، ربما الى قيام الساعة…

لسنا من عشاق الواقعية، لا سيما الواقعية القاتلة، ولكن اين هو الخيال حين يضيع، او يتبعثر، او يتعثر بين احذية اهل السياسة.

يا صاحب السعادة بل يا اصحاب السعادة، لقد عجزتم ان تتمثلوا بالصومال وتؤمنوا الكهرباء (الكهرباء فقط) للناس، وعجزتم ان تتمثلوا بموريتانيا التي في تلك الصحراء القاحلة، وتؤمنوا الماء ليوم واحد في الاسبوع لاولئك الناس الذين يرون كيف تموت الانهار، وكيف يموت المطر على ارضهم…

حرب اهلية قد تكون الاطول في تاريخ الحروب الاهلية من اجل انتاج وثيقة او ميثاق للعيش المشترك (لا للحياة المشتركة) بنصوص ملتبسة وتائهة، لنستبدل الوصاية بوصابة اخرى ولنستبدل المجهول بمجهول آخر.

هذا نظام لا يختلف عن الانظمة الشائعة في منطقتنا. اما ان يذهب بقضه وقضيضه أو ان يبقى بقضه وقضيضه، تحتار هنا بين التوتاليتاريات الفذة والتوتاليتاريات الرثة.

نظام جديد؟ وتضع قواعده تلك الادمغة المستهلكة التي لم تتمكن  من صياغة قانون للانتخابات يليق بالكائنات البشرية، لا بالقصاصات البشرية، وها هي تلوّح لنا بالعودة اكثر من نصف قرن الى الوراء. حقاً، لا ندري لماذا احصنتنا، احصنتنا فقط، تعدو الى الوراء.

هنا التغيير مستحيل، لا يساورنا شك في ان الرئيس ميشال عون يتوق الى لبنان الاخر، لبنان الذي يتفاعل مع جدلية الازمنة لا مع جدلية الاقبية (وهي جدلية المنطقة بشكل عام)، ولا يساورنا شك في ان المادة 49 من الدستور (وامتداداتها) تضيق بشخصيته، ولكن ماذا تراه يستطيع ان يفعل داخل ثقافة اللوياجيرغا، وحيث التقاطع التراجيدي بين لعبة القبائل ولعبة المذاهب…

كلنا على يقين بأننا نعيش في ظل نظام ميت، القانون للأقوى، الثروة للأقوى، الكرامة للأقوى، الوظيفة العامة، والخاصة، للأقوى، حتى الهواء للأقوى، وان كانت القمامة قد ساوت بين من هم على سطح المريخ ومنهم على تخوم العدم (ذاك الدافع الاكثر فظاعة من العدم).

واثقون من ان ذاك النظام غير قابل للتغيير، وغير قابل للاصلاح، لكنه، يا للغرابة، قابل للبقاء والى الابد، اذاً، ما يبتغيه اللبنانيون قليلا من الماء، وقليلاً من الكهرباء، والأهم قليلاً من… ماء الوجه.

يا فخامة الرئىس، قوتك ليست في الكتلة القوية، بل في كونك تعيد للبنانيين الذين تطأهم اقدام الكبار، وازلام الكبار، ذلك الشيء الذي هو اهم من كل شيء: الكرامة!!