«إصابة شخص في بعلبك برصاصة طائشة نقل على أثرها بحال حرجة الى مستشفى دار الحكمة». خبر عاجل تزامن صدوره مع صدور النتائج الرسمية لشهادة البريفيه في دورتها الأولى.
نعم، بين شهادة النجاح وشهادة الوفاة في لبنان.. لحظة، تكفي خلالها إعلان نتيجة الامتحانات ليتم تلقائياً إعلان وفاة أو جرح أحد المواطنين على أثرها. لحظة وثقتها السنين الماضية بعدد من الضحايا. أما بين الناجح والقتيل، فالأمر يتعدى اللحظة ليصل الى سنوات، سنوات استطاعت ترسيخ عادات وتقاليد وتباهي واستقواء مستفز حد الإجرام عن قصد أو غير قصد.
لا تقتصر زيادة أعداد ضحايا الرصاص الطائش فقط على إعلان نتائج الامتحانات الرسمية في لبنان، فللمتزوجين والمولودين الجدد والمتوفين وخطب السياسيين حصصهم الوازنة من الموضوع، حيث باتت الرصاصة القاتلة هي الوسيلة الأكثر تعبيراً عن الفرح أو الحزن ومن دون أي رادع حتى لو كان الثمن حياة إنسان آخر. أما تكرار المشهد سنوياً وتكريسه كـ«بروتوكول» لبناني استعراضي يلي أي مناسبة فردية فكيف بالأحرى إذا كانت على مستوى لبنان ككل، دفع المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي الى إطلاق حملة توعوية على صفحاتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، عشية صدور نتائج شهادة البروفيه الرسمية، محذرة من استعمال الرصاص تعبيراً عن الفرح عند صدور النتائج، كما حثت المواطنين على التبليغ على الـ112 إضافة الى إمكانية توثيق الحالة بصورة أو مقطع فيديو وإرساله فوراً عبر خدمة «بلغ» على موقع قوى الأمن الداخلي الرسمي www.isf.gov.lb أو من خلال مواقع قوى الأمن الداخلي الرسمية على الصفحات الاجتماعية.
مبادرة استباقية هي الأولى من نوعها، استخدمت خلالها المديرية رسومات وشعارات مؤثرة ومعبرة من شهادة النجاح الرسمية الممهورة بالدم والسلاح المغطى بالأزهار الملونة، أضداد اجتمعت كتعبير صارخ عن نتيجة التفلت الأمني واستسهال وحتى استسخاف استعمال السلاح، لتبدو حملات التوعية على مواقع التواصل الإلكتروني هي السلاح الأقوى حالياً في معركة الدولة والناس مع السلاح المتفلت ورصاص الابتهاج الطائش، فيما ستبرهن الأيام المقبلة مدى جدواها على إثر عدد التبليغات أو حتى رصد امتناع بعض المواطنين عن استخدام أسلحتهم، اذ يكفي أن يلتزموا بأحكام القوانين وسقف الدولة وتوجيهات مديرية قوى الأمن بالحد الذي تفاعلوا به مع حملتها الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي ليكون اللبناني قد برهن عن وعيه ومسؤوليته وإرادته الجدية بوقف أو الإسهام في منع هذه المظاهر.
أما على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد حصد الهاشتاغ الرسمي الذي أطلقته المديرية «#بتقبل_تقتل» المرتبة الأولى في لبنان على مدى يومين. وتزامناً مع صدور النتائج في دقائقها الأولى، رصدت تعليقات الناجحين وامتزاجها بالتغريدات الداعية الى عدم إطلاق الرصاص، فتحولت المواقع الى الوسيلة الأسرع للإعلان عن النتيجة. «بكرا نتائج شهادة الـbrevet وأكيد اللي رح يقوص مش واصل للـbrevet #بتقبل_تقتل؟؟» كتبت سماح سرور. فيما سأل فؤاد خريس «هل تعلم أنك إذا بتقبل تحتفل بإطلاق الرصاص معناتها أنت #بتقبل_تقتل بدم بارد؟». وذكرت ديانا من جهتها «من حقك تفرح بس فكر قبل ما تحمل سلاحك ممكن تقلب حياة عائلة بكاملها لحزن ومأساة #بتقبل_تقتل».
اما كريم فعلق على مستخدمي السلاح ابتهاجاً باستهزاء «إذا مصمم ولا بد تعمل أكشن، جيب فرقيع أرخص وبيعمل صوت أكتر وما بيأذي حدا #بتقبل_تقتل». وباختصار عبر شادي فرج عن رأيه «الشهادة مش معركة لتقوص فيها #بتقبل_تقتل». أما ميرنا زخيا فوجهت نصيحتها بالقول «تا ما تصير ذكرى شهادة ابنك ذكرى جنازة ابن غيرك، اشتري فرقيع ما تشتري رصاص، فرقع ما تقوص #بتقبل_تقتل». وروت زينة حادثة إحدى ضحايا رصاص الابتهاج منذ بضعة أيام «من كم يوم لما تم الاعلان عن العيد طلعوا قوصوا ابتهاجاً وراحت بنت ضحية كانت جاي من السويد تحضر عرس خيها. انبسط أد ما بدك بس ما تقوص #بتقبل_تقتل»، فيما علقت ميساء يحفوفي بسخرية على موضوع إطلاق الرصاص قائلة «عفكرا.. شهادة البريفيه مش شهادة دكتوراه، ف مش محرزة تنهي حياة إنسان بس كرمال تفرح حضرتك. #بتقبل_تقتل».
وكذلك تبعها محمد مجذوب بنفس الفكرة والأسلوب «الرجاء من الذين أولادهم كسلانين ونجحوا بالصدفة إطلاق الرصاص والمفرقعات القوية حتى نعرفهم». أما هيثم طالب فدعا الى الفرح بأسلوب سلمي وبسيط بدل نشر الخطر والذعر «فرحتك بتكون بالبسمة مش بالرصاصة إذا ابنك أخد شهادة نجاح مش ضروري ابن غيرك ياخد شهادة وفاة #فلنرتقي_بالفرح». وكان رائد أبو شقرا الأكثر تعبيراً عن حالة الذعر في بعض المناطق لدى صدور النتائج «رح تطلع نتائج البروفيه اليوم، الله يجيب العواقب السليمة لسلامتكن وسلامة ولادكن خليكن بالبيت وبلا نطنطة تحت القصف». فيما فضل ليبان صليبا البقلاوة على الرصاصة «كيلو البقلاوة أرخص من مشط رصاص ممكن يعمل نفخة بس ما بيقتل». لا بأس إن غضّ اللبنانيون النظر عن الخبر الذي ورد في أول المقال، فالأمل يبقى في التغريدات التي وردت ضمنه، تبقى هي الأكثرية الغالبة، والتي لا مجال لبناء دولة فعلية ومجتمع سليم من دونها.
يُذكر أن ضحية إطلاق النار العشوائي احتفاء بصدور نتائج «البريفيه» في بعلبك هو المواطن حسين جمال الدين (85 سنة) الذي توفي متأثراً بجروح أصيب بها في رئته أمام منزله في محلة التل الأبيض عند مدخل بعلبك الشمالي. وكان نقل إلى مستشفى دار الحكمة، لكنه ما لبث أن فارق الحياة.