«الداهية» يدافع عن مناصبه وكان «يتوقع» الشكر لا الاتهامات
«جمهورية» عبد المنعم يوسف ممتدة على المساحة اللبنانية. حيث يصل الهاتف يصل نفوذ يوسف. و «قصره» في وزارة الاتصالات لا يقل أهمية عن «قصره» في «أوجيرو»، وهما قصران أشبه بخلية نحل، يديرها يوسف بكل تفاصيلها، بحضور دائم، يمتد من الصباح الباكر إلى منتصف الليل أحياناً.
الوصول إلى مكتب المدير العام للاستثمار والصيانة في الطابق الأول من وزارة الاتصالات حيث المديرية، يتطلب المرور بأبواب كثيرة تفتح من الداخل. منذ لحظة تخطي الباب الأول يزداد منسوب اللطف. كل من تلتقيه يبدو شديد التهذيب. مساعدة يوسف الجالسة في مكتب كبير، لديها الكثير لتقوله عن البلد وعن الظلم الذي يتعرض له رئيسها. من حولها تنتشر على الحيطان بطاقات كلام وتيليكارت التي تحولت إلى لوحات، فيما هي لا تخفي انبهارها بذكاء الدكتور عبد المنعم.
القابع في مكتبه في الداخل، يتفوق على الجميع في التهذيب. يخرج في المرة الأولى معتذراً عن الحاجة إلى خمس دقائق إضافية. ثم يخرج مستقبلاً بحرارة، ومعتذراً بشدة عن التأخير، بالرغم من أن الموعد المتفق عليه لم يحن بعد. يُكثر من عبارات الإطراء التي اعتاد سماعها من طالبي الخدمات من سياسيين ورجال أعمال.
في المكتب في الداخل لا يختلف الأمر كثيراً عن الخارج. الحيطان أيضاً مفروشة بعدد من لوحات كلام وتيليكارت. لكن أكثر ما يلفت النظر هو أغلفة الصحف التي تتوسطها صورة «الرجل الخارق» و «ملك أوجيرو» وغيرها من العبارات التي يبدو يوسف مزهواً بها وبالمقالات التي تشهّر به. لا يكتفي بتعليقها على حائط مكتبه إنما يقول مبتسماً: «نيالي، هولاند لم يحصل على أغلفة بالقدر الذي حصلت عليه أنا».
لا يحتاج الجالس مع يوسف إلى الكثير من الوقت ليكتشف أن الذي أمامه «داهية»، كما يردد كل من عمل معه عن قرب، إن كان يؤيده أو يعارضه. يسهل عليه أن يأخذ الناس إلى البحر ويعيدها عطشى. وهو لأنه يعرف ذلك، يتفنن في تقديم نفسه، واثقاً من قدرته على الإقناع.
ليس خبيراً في قطاع الاتصالات فحسب، بل يحفظ المواد القانونية المتعلقة بعمله عن ظهر قلب، ولديه إجابة على كل شيء. المهم أن الإجابات تؤدي إلى الطريق نفسه: كل ما يساق ضدي من تهم باطل وظالم. يوسف يقول بحسرة: شخص مثلي يجب أن يُشكر على ما يقدمه للقطاع وللدولة اللبنانية لا أن تُشن عليه كل الحروب، كما لو أنه مجرم. يكتفي بالإشارة إلى أن الحرب عليه سياسية، لا قانونية ولا إدارية، مفاخراً بأنه يدير مؤسسة هي الأنجح بين مؤسسات الدولة وتغذي الخزينة بنحو 3 مليارات دولار، بالرغم من الظروف الصعبة التي تعمل بها لتأمين الخدمة للناس. يسأل يوسف هل يمكن مقارنة قطاع الاتصالات بقطاعات مثل الكهرباء والماء والتعليم الرسمي والاستشفاء الرسمي؟
يوضح يوسف وجهة نظره من الاتهامات الموجهة ضده وإن كان لا يعتبر نفسه في موقع الدفاع عن النفس. يختار، من بين مضبطة الاتهام التي تُرجمت بعشرات الدعاوى والشكاوى المرفوعة ضده، الرد على تهمة «صاحب المناصب الثلاثة»: أنا مدير عام الاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات بالأصالة، ومنتدب بصفة رئيس ـ مدير عام في «أوجيرو» بالوكالة، بموجب مرسوم موقع من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير المالية ووزير الاتصالات، وبموافقة ديوان المحاسبة ومجلس الخدمة المدنية. يقول إنه يجمع بين منصبين لا ثلاثة لأن منصبي رئيس ومدير عام أوجيرو هما منصب واحد بحكم القانون.
وفيما كان يُفترض أن ينتهي التكليف في 28 تشرين الأول 2006 (سنة واحدة) مدد لسنة أخرى ثم ثلاثة أشهر. وعليه، فإن يوسف ما يزال منذ بداية العام 2008 في منصبه، ومذكراً أن هذه الحالة ليست وحيدة في الدولة اللبنانية ويوجد مؤسسات عديدة يتم الجمع فيها بين منصبي الرئيس والمدير العام، كمؤسسة الكهرباء على سبيل المثال.
شغل منصبين ليس ترفاً
بالنسبة له هذا النموذج هو الأصلح والأكثر فاعلية في المؤسسات العامة والخاصة في العالم، لأنه يوفر الكثير من البيروقراطية في العمل، خاصة في قطاع حي كقطاع الاتصالات. كما يقول يوسف إن شغل منصبين ليس ترفاً بل هو مسؤولية مضاعفة إدارياً وقضائياً في كل ما يتعلق بعمل المؤسسة.
وفيما يعتبر أن التركيز على هذه المسألة هدفه إعلامي بحت، يسأل: هل طلب أحد الوزراء دراسة أو رأياً استشارياً من أحد المراجع القانونية، ليجيب بنفسه بالنفي، جازماً أن الجمع بين المنصبين هو أمر قانوني لا لبس فيه.
هذا الموقف الذي يتبناه يوسف لا يستوي مع قناعة مرجع قانوني، يذكّر أن هيئة التفتيش المركزي أوصت وزارة الاتصالات في القرار رقم 192012 الصادر في 24 كانون الثاني 2012 «النظر في بالوضع الوظيفي ليوسف لجهة جمعه بين وظيفتي مدير عام الاستثمار والصيانة ورئيس مدير عام أوجيرو»، معتبرة أن الجمع بين هذه المنصبين يؤدي إلى تضارب صلاحيات بين سلطة الوصاية الإدارية (الإدارة العامة للاستثمار والصيانة) والسلطة الموصى عليها (أوجيرو)، لا سيما فيما يعود إلى العقود التي تبرمها الوزارة مع الهيئة، والتي غالباً ما تذيّل بتوقيع يوسف نيابة عن الطرفين!
كما أن قرار التفتيش المركزي لم يكن وحيداً، إذ سبقه رأي لديوان المحاسبة صدر في العام 2008 أكد فيه على عدم جواز الجمع بين الوظيفتين الرقابية والتنفيذية، كما أكد، بالتالي أنه لا يجوز أن يمارس يوسف الرقابة على نفسه، ما يؤلّف سبباً يعيب تعيينه، فضلاً عن أن الديوان نبّه مجلس الوزراء الى أن القانون اشترط لتعيين المدير العام لهيئة «اوجيرو» وضعه خارج الملاك، إذا جرى اختياره من موظفي الإدارات العامّة او المؤسسات العامّة او البلديات، وهذا يُعدّ، في رأي الديوان، عيباً إضافياً يشوب تعيين يوسف في الوظائف الثلاث المذكورة، ويؤدّي إلى إبطال قرارات مجلس الوزراء في هذا الشأن.
بالنسبة ليوسف، الذي كان موضوعاً في التصرف، قبل أن يعين في منصبيه، هو يقوم بتنفيذ القانون حرفياً. أولاً من خلال قبول التكليف، وثانياً من خلال الالتزام بقانون «أوجيرو» الذي ينص بوضوح أنه عندما تنتهي ولاية مجلس الإدارة يستمر بالقيام بعمله إلى حين تعيين مجلس إدارة جديد.
حتى هذا المادة القانونية تجد من يعتبرها لا تنطبق على يوسف. معارضوه يقولون إن مبدأ استمرارية المرفق العام ينطبق على الأعضاء الأصيلين في مجلس الإدارة وليس على من عُين بالوكالة وهما حدهما المعنيان بإدارة «أوجيرو». أما منصب المدير العام، فيرى المصدر أنه لا يخضع لهذه القاعدة، بدليل أنه لو طُبقت في الإدارة العامة لما رأينا مناصب شاغرة، ولما كان ترك المدراء العامون مناصبهم فور انتهاء ولايتهم بغض النظر عن وجود البديل، وأحدث دليل على ذلك تقاعد مدير عام الثقافة فيصل طالب منذ يومين.
هما رأيان يحكمان النزاع بين الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الاتصالات وبين يوسف، الذي يعرف جيداً أنه لولا الحماية السياسية التي يتمتع بها لما بقي في «أوجيرو» يوماً واحداً، حتى لو كان مقتنعاً أن القانون في صفه. وعليه، فإن الواقع السياسي، ما يزال يفرض نفسه حتى الآن.. وإلى حين يتمكن مجلس الوزراء من تعيين مجلس إدارة جديد لـ «أوجيرو».
«ليبان تيليكوم» خلاص القطاع
السيناريو الأفضل الذي يمكن أن يحصل بعد عودة يوسف إلى منصبه الوحيد في وزارة الاتصالات، هو أن ينفذ القانون 4312002، الذي يقضي بحل مديريات الوزارة، ولا سيما مديرية الاستثمار والتشغيل و «أوجيرو» وتشكيل «ليبان تيليكوم»، لتعمل كمشغل مملوك من الدولة يتنافس مع القطاع الخاص لتأمين الخدمة للبنانيين، على أن تنشأ هيئة ناظمة ويتم حل معظم المديريات التابعة لوزارة الاتصالات، فيما تبقى مديرية وحيدة هي مديرية الاتصالات، على رأسها وزير تكون مهمته محصورة بتمثيل لبنان في الخارج. وعندها، كُثر يتوقعون أنه لن يكون ليوسف منافس على إدارة هذه الشركة.
حتى اليوم لم تصدر الحكومة اللبنانية المراسيم التطبيقية للقانون 4312002، وبالتالي فإن ما يحكم قطاع الاتصالات منذ ما يناهز العشر سنوات هو تنازع الصلاحيات بين الوزارة و»أوجيرو». وهو نزاع لم يقتصر على الوزراء العونيين وإن أخذ بعداً أكثر جدية معهم. وفيما يصعب على الوزير الذي نصّبه الدستور اللبناني حاكماً مطلقاً على وزارته أن يذهب إلى التنازل طوعياً عن صلاحياته، كانت «أوجيرو» تقضم من صلاحيات الوزارة عاماً بعد عام، حتى صعُب التمييز بين دور كل منهما، بعد أن صارت «أوجيرو» هي الوزارة وزاد عدد موظفيها عن 3800 موظف، معظمهم منتدبون من الوزارة.
يركز رئيس «أوجيرو» على أهمية تطبيق القانون 431. يعتبر أن النموذج العالمي في قطاع الاتصالات تخطى مسألة وجود وزارة، مشيراً إلى ان القطاع بحاجة إلى حيوية غير متوفرة في النظام البيروقراطي للوزارات، إنما في النموذج الذي يعتمد على مشغلين وحكم (هيئة ناظمة). ولذلك يقولها بالفم الملآن إن تنفيذ النموذج الحديث يقتضي أن «تأكل أوجيرو الوزارة»، لتكون قادرة على المنافسة في قطاع يتطور باستمرار وتزداد المنافسة فيه حدة يوماً بعد يوم. ويرى يوسف أن كل تأخير في التحول إلى هذا النموذج يؤدي إلى تأخير القطاع عن الركب العالمي.
«الألياف الضوئية» على الطريق
اعتبر عبد المنعم يوسف أن تقدم لبنان في الإحصاءات الدولية المتعلقة بقطاع الاتصالات يؤكد أن القطاع يسير على الطريق الصحيح. وكما ركز على الإنجاز الذي حققه لبنان، على المؤشر العام لنفاذ تكنولوجيا المعلومات الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات، في 30 تشرين الثاني الماضي، بتقدمه من المركز 77 إلى المركز 56، متفوقاً على دول عريقة ومتقدمة تكنولوجياً مثل الصين وتركيا وجنوب أفريقيا.
كما أعلن أن تنفيذ شبكة الألياف الضوئية يسير على قدم وساق، وقد وصلت الخدمة بالفعل إلى الكثير من المؤسسات وفق مخطط يقضي بإيصالها إلى 22 ألف مؤسسة كبيرة، في أكثر من منطقة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن العمل يسير بالتوازي مع إيصال الخدمة إلى الأبنية، بعد أن صارت المحطات موصولة بشكل كامل عبر الألياف الضوئية. كما أكد أنه تم وصل شبكتي الخلوي بشبكة الألياف الضوئية، مبرراً عدم تحسن الخدمة والسرعات، بالحاجة إلى تطوير محطات البث.
وأشار إلى أن «أوجيرو» صارت تملك القدرة على إعطاء السرعات التي تحتاجها الشركات، مقراً أن ارتفاع الأسعار ما يزال يعيق المستهلك من الاستفادة من السرعات المتاحة. وكشف أن الوزارة تملك اقتراحاً لتخفيض الأسعار، لكن الأمر معلق بسبب عدم اجتماع الحكومة.