IMLebanon

شباب «14 آذار» في صراع بين البرغماتيّة والحفاظ على المبادئ

عَشرة… مِيّة… ألف سنة… مكمّلين! لعلّه الشعار الأكثر صدقاً الذي رفعته قوى «14 آذار» هذه السنة، بالتزامن مع إحياء ذكرى الرئيس رفيق الحريري الذي استشهد في 14 شباط 2005. لكنّ هذا الشعار المستقبليّ الرؤيويّ يعتمد على الشباب وطلّاب الجامعات أوّلاً. هم وحدهم كانوا العامل الأساسي لتحقيق الإنجازات في ربيع 2005، بعدما نشروا خيَمهم في ساحة الشهداء ومَكثوا هناك، على رغم تعرّضهم لشتّى أنواع التهديد والوعيد، حتى تمكّنوا من استدراج أكثرية اللبنانيين، مسلِمين ومسيحيين، في مشهد مليونيّ سَبق كلّ مشاهد الثورات العربية اللاحقة.

نالَ لبنان استقلاله من الاحتلال السوري وأجهزة المخابرات التابعة له من جهة، وانتزع هؤلاء الشباب حقّ إنشاء المحكمة الدولية التي تعمل على كشف المحرّضين والمنفّذين لجريمة اغتيال الحريري ومعظم شهداء ثورة الأرز الذين طاوَلتهم أيادي الغدر من جهة أخرى. وحدَهم الشباب سيبقون عشرة ومئة بل ألف سنة لبناء دولة حقيقية، فعليّة، دولة القانون التي لا يعلو سلاح فيها فوق سلاح الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الرسميّة.

«القوات اللبنانية»

تتوجّه أنظار رئيس مصلحة الطلّاب في «القوات اللبنانية» جيرار سمعاني نحو ساحة الشرف، ساحة الشهداء، فيجدها اليوم فارغة. هو تذوَّقَ طعم الثورة عام 2005 عندما كان مسؤولاً عن الجامعات الخاصة في دائرة الشمال لمصلحة طلاب «القوات»، وشاركَ في التحضيرات للتظاهرة المليونيّة الشهيرة. لم يُضيّع جيرار البوصلة، إلّا أنّه يعترف أنّ قيادات «14 آذار» خيّبَت آمال شعبها في بعض الفترات، «لكن لا بديل عن مشروع 14 آذار، وهو يُعتبَر الوحيدَ الصالح لبناء دولة حقيقية، إذ يعمل من أجل تحقيقها في عناوينه الكبرى».

ربّما روح الشباب النضالية لا ترضيها الحوارات القائمة بين الأحزاب اللبنانية المختلفة على رؤية لبنان، لكنّ وعيَ شباب الأحزاب المنضوية تحت راية «14 آذار» لا يزال قوياً، إذ يعتبر سمعاني «أنّ الحوارات مع الفريق الآخر مبرّرة لخَلق بنيةٍ تحتية متينة تؤمّن الاستقرار، لكن ليس مبرّراً أن ننسى العناوين الأساسية، وهذا الأمر لن يحصل».

يُشارك سمعاني ورفاقه الطلاب في القرار ضمن إطار «القوات اللبنانية»، إلّا أنّه لا يُنكر «أنّ دورَنا كان أقوى في ثورة الأرز، خصوصاً أنّه كانت هناك حاجة ماسّة لمشاركة فاعلة في القرار، في ظلّ وجود الدكتور سمير جعجع في السجن».

صَولات وجولات يَذكرها سمعاني في النضال ضد النظام الأمني اللبناني – السوري الذي حَكم لبنان بين عامي 1990 و2005، لذلك لا يشعر بالخوف في المطالبة بحَلّ لسلاح «حزب الله»، «إلّا أنّ النضال مستمر بالثبات نفسه وبطرُق أخرى تعتمد على ثبات الموقف السياسي لأنّنا لسنا في مرحلة مؤاتية لتحريك الشارع، إلّا أنّنا واثقون بأنّ شعب «14 آذار» لا يزال متمسّكاً بطروحاتها الأساسيّة».

لا انتخابات جامعية في بعض الجامعات، وهذا ما يزعج مصلحة الطلاب في «القوات»، ويلفت سمعاني إلى «أنّ الانتخابات الطالبيّة حصلت في الـAUB وLAU بلا ضربة كفّ، فيما لا تزال جامعات أخرى تتحَجّج بأنّ الانتخابات تثير المشاكل. هذه تدابير جائرة لأنّ الجامعات تُعتبَر صرحاً للنقاش السياسي، وهي أفضل مكان لبناء الفكر والعقل الطالبي السياسي وتطويره».

«تيّار المستقبل»

يقيم رئيس مصلحة الطلّاب في تيار «المستقبل» حواراً مع الرئيس رفيق الحريري في الخيمة التي تحتضن رفاته في محاذاة مسجد محمد الأمين، هو اعتادَ زيارة هذا المكان الذي يرمز إلى الحرّية والسيادة والاستقلال.

لم يكن وسام شبلي حاضراً في الساحة يوم 14 آذار 2005، إذ كان يخدم في الجيش اللبناني وقد سرى عليه قرار الحجز كمعظم العسكريين في تلك اللحظة المصيريّة.

لكنّه كان متفاعلاً مع الثورة من كلّ قلبِه وعقله، وشعرَ بأنّ لبنان جديداً يولد في مشهد فاقَ كلَّ التوقّعات، «بحيث سقطت كلّ الحواجز التي وضعها الاحتلالان السوري والاسرائيلي بين اللبنانيين من خلال سياسة فَرِّق تسُد».

يرى شبلي أنّ اغتيال الحريري فجّرَ تراكمات من الحِقد على ماضٍ ظالم، «وكان لا بدّ من أن تستمرّ الثورة باندفاعتها لتؤسّس فعلاً لمرحلة جديدة تزيل معها كلّ التراكمات التي جعلت لبنان أسيراً لفترة طويلة».

أوجَد اغتيال الحريري مساحةً وطنيّة عبَر عليها اللبنانيون إلى الاستقلال الثاني، لكنّ شبلي يتساءَل: «هل لا تزال هذه المساحة الوطنيّة متوافرة؟ أستطيع الإجابة بكلّ ثقة أن لا مساحة وطنيّة اليوم للشباب في ظلّ الشرخ المذهبي والصراع على المستوى الإقليمي ومشاركة «حزب الله» في الحرب السوريّة وقتلِه للّبنانيين في 7 أيار 2008.

ولو أردنا نحن شباب «المستقبل» مثلاً القيام بأيّ تحرّك، سيُفسَّر بأنّه عمليّة تمَرُّد ضد قيادة تيّارنا،

إلّا أنّنا نعمل على تعزيز صلابة موقف «المستقبل» لا إضعافه، ليستمرّ في المواجهة، خصوصاً أنّنا نخوض معركة سياسيّة مصيريّة».

بعد ساحة الشهداء، ينتقل وسام شبلي إلى ساحة رياض الصلح، وتكاد عيناه تدمعان بسبب انقسام لبنان إلى ساحتين. لكن لم تعُد إشكالية سلاح «حزب الله» تثير غضبَه، فهو اجتهد واستخلصَ مقاربة منطقيّة يختصرها بالآتي: «المشكلة تكمن في العقل الذي يحمل هذا السلاح وذهنيته وفكره، نحن نعرف أنّ تنظيمات عسكرية لبنانية سابقة خاضَت تجربة «حزب الله» إلّا أنها كانت تحمل فكراً لبنانياً وتدافع عن لبنان، وبالتالي كان سقفُها لبنانياً ولا علاقة لها بأهداف خارج المنظومة اللبنانية.

أمّا «حزب الله» فهو ينتمي إلى منظومة عقائديّة ليست لبنانية، بل جعل نفسَه جزءاً من المعادلة الإقليميّة، لذلك مهما نَظّمنا من تظاهرات لن تفيد بشيء، ولا خلاص إلّا بتغيير المعادلة الإقليميّة التي أنتجَت السلاح».

لكنّ شبلي يَعي كشابٍ ومسؤول عن شباب تيار «المستقبل» أنّ السلاح الوحيد الذي يجوز اعتماده اليوم لمواجهة «حزب الله» من دون تعريض لبنان لخضّات أمنية هو سلاح الموقف.

لا يزعجه الحوار بين «المستقبل» و»حزب الله»، إذ يوضِح، «أنّنا لا نساوم على المطالب الأساسيّة، كضرورة عودة «حزب الله» عن قرار المشاركة في الحرب السوريّة، إنّما نخلق أجواءً مريحة للّبنانيين في ظلّ حال الغليان التي تسود المنطقة».

أمّا المفاجأة التي يُحتمَل أن يقوم بها طلّاب وشباب «14 آذار»، فهي إعادة نصب الخيَم وإنشاء قاعات في ساحة الشهداء يكون هدفها بناء حوار مع شباب قوى «8 آذار». هنا يطرح شبلي سؤالاً جوهرياً: «لماذا لا يتحاور الشباب الذين يمثّلون كلّ المكوّنات اللبنانية، ويكون هدف الحوار بِناء دولة؟ لكنّ هذه الفكرة لا تزال مجرّد اقتراح قيدَ الدرس».

«الكتائب اللبنانية»

لا يبذل الكتائبيّون جهداً للحضور إلى ساحة الشهداء أو للمشاركة في أيّ تحرّك شعبي جماهيري، لأنّ مقرَّهم، أي البيت المركزي، يقع في منطقة الصيفي الملاصقة لساحة الشرف والكرامة، وها هو رئيس مصلحة طلّاب «الكتائب» رالف صهيون يتذكّر لحظات انطلاقة ثورة الأرز.

هو كان في قلب الحركة الطلّابية. إلّا أنّه يَترحّم على تلك الأيام التي كانت تسمَح فيها الجامعات بالعمل السياسي، خصوصاً عام 2005 حين كانت حرّية النشاطات السياسية متاحة للطلّاب.

ويتساءل صهيون: «بأيّ حقّ يمنعون العمل السياسي في الجامعة اللبنانية منذ ثمانية أعوام؟ فالطالب يشعر بالضياع السياسي عندما يُقمَع فكريّاً، وبالتالي لا يعود يعرف أين يتوجّه. هدفُنا كمصلحة طلّاب «الكتائب» إعادة العمل السياسي إلى الجامعات».

لم تتوقّف لقاءات طلّاب «الكتائب» بطلّاب الأحزاب الأخرى المنضوية تحت سقف «14 آذار»، وهدفهم واحد: بناء الدولة. لكنّ صهيون يعترف بأنّ الظروف الإقليمية تغيّرَت، و»ثَمّة خطرٌ اليوم اسمُه «داعش»، لذلك لا يسعُنا إلّا دعم الجيش والقوى الشرعية المسلّحة».

يتوقّع صهيون أن تنظّم الأمانة العامة لقوى «14 آذار» مهرجاناً سياسياً ضخماً لإحياء ذكرى 14 آذار، تتخلّله خطابات للقيادات، وسيشارك فيه الطلّاب الذين لا يزالون موحّدين على الرؤية نفسها، على رغم إيمانهم بمبدأ التعدّدية واحترام تمايزِهم في بعض العناوين الصغرى.

«الوطنيين الأحرار»

ديناميكيّةٌ لافتة تُميِّز مصلحة الطلّاب في «حزب الوطنيين الأحرار» في كلّ مناسبات «14 آذار»، لكنّ هذا لا يمنع رئيس المصلحة سيمون ضرغام من طرح تساؤلات عديدة: «حركة «14 آذار» إلى أين بعد عشرة أعوام؟ ما هي رؤيتها الجديدة؟ هل ستبقى متماسكة بعدما خرجَت منها بعض الأحزاب؟ هل تتطلّع إلى شباب لبنان برؤيةٍ خَلّاقة؟

بجرأةٍ يطالب ضرغام قيادات «14 آذار» بإعادة النظر في أخطاء المرحلة السابقة، ويقول: «لو لم يكن لدينا الجرأة لما كنّا اليوم قياديّين في أحزابنا، ولا بدّ من الاعتراف بأنّ أحزاب «14 آذار» مسؤولة عن أخطاء عديدة، كالحِلف الرباعي والعودة من الصورة الجامعة التي تكوّنَت عام 2005 إلى التقوقع في منطق الأحزاب والطوائف، والتخَلّي عن شريحة كبيرة من المجتمع المدني».

لم يُجرِ طلّاب قوى «14 آذار» أيّ قراءة نقدية مشترَكة حتى اليوم وفقَ ما عبّر عنه ضرغام، ويلفت إلى «أنّ كلّ حزب همُّه إيصال أكبر عدد من الطلّاب المناصرين له في الانتخابات الطالبيّة، لا نظرة لبنانية بينَنا بل نظرة حزبيّة. تكاد «14 آذار» تتحوّل نخبوية ثقافية، وقد اشتقنا حتماً إلى الساحات والنضال الأوّل البريء والطاهر».

لم يمضِ وقتٌ طويل على تصريحٍ للمرشد الأعلى للثورة الإسلاميّة أعلنَ فيه أنّه يسمح للإيرانيين بالقتال في سوريا ولبنان! ينتفض ضرغام، معتبراً أنّ هذا التصريح يستحقّ تحرّكاً لبنانياً جامعاً، «لا يجوز أن يبقى قرار الحرب والسِلم في يد «حزب الله» والجمهورية الإسلامية الإيرانيّة، فلماذا لا يحرّكنا هذا الأمر كشباب؟ لقد طفحَ الكيل من العيش تحت رحمة مجموعة عسكرية لا يهمّها دولة ولا اقتصاد ولا استقرار».

يظنّ ضرغام، الأصغر سنّاً من بين رؤساء مصالح طلّاب أحزاب «14 آذار»، «أنّ الأحزاب السيادية لا تخاف من المواجهة، إنّما تخاف على مصالحها أحياناً، لذا تمتنع عن النزول إلى الساحات. فكلّ مَن يريد بناءَ دولة جديدة يجب أن يثور، وهم غيرُ مستعدّين للقيام بأيّة ثورة».

يحضر ضرغام اجتماعات الأمانة العامة لقوى «14 آذار» أسبوعياً، ويقول: «نشارك في القرار السياسي، وقد قمنا بسلسلة تحرّكات كطلاب في «حزب الوطنيين الأحرار» مثل التجمّع للمطالبة بطرد السفير السوري، وسَعينا إلى المطالبة بكتاب تاريخ موحَّد.

نأخذ دائماً المبادرة للتحرّك، لكن المؤسف أنّ التجمّعات لا تكون دائماً على مستوى ضخم، لأنّ الناس فقدوا الثقة نسبياً بسبب الأخطاء التي ارتُكِبَت، مع ذلك لا يزال أكثرية اللبنانيين مع «14 آذار» فكرياً وذهنياً وثقافياً».

أمّا في ما يتعلق بالتحضيرات للاحتفال بيوم «14 آذار»، فسيدخل طلّاب وشباب «14 آذار» بعد الانتهاء من إحياء ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري في خلوات شِبه يوميّة وأسبوعية لإنتاج رؤية موحّدة للاحتفال بهذا اليوم التاريخي.