سلك الحراك الشبابي مساراً لا يستطيع التراجع عنه. هو اليوم يضم حملات ومجموعات غير متجانسة، منها تقدم نفسها تحت عنوان مدني، وضمنها الحزبي بعنوان مدني، وفيها السياسي الذي يقدم نفسه بديلاً من النظام، الى عدد من المثقفين واليساريين القدامى والمستقلين. فعدم التجانس يعني أن مجموعة شبابية قد تركز في التحرك على ملفات تختلف عن الأولويات لدى مجموعات أخرى، فينحو الحراك نحو أهداف متعددة، من دون أن نجد هيئة أو لجنة تعمل على التنسيق لتوحيد الخطوات، وإن كان التحرك انطلق بداية لمواجهة أزمة النفايات والفساد والمحاصصة، لتتفرع المطالب الى شعار إسقاط النظام قبل أن يسحب سريعاً، ثم يخفض السقف ليحصر في النفايات والكهرباء والانتخابات.
ولأن المواجهة صعبة ومعقدة، يبقى التحدي أمام الحراك وحملاته في استقطاب الشباب اليه، وإبعاده من التوظيف السياسي. فإذا كانت السنة الجامعية قد انطلقت في الجامعات، فإنها تبقى الخزان الذي يضخ الحياة للربيع الشبابي إذا ما تمكنت الحملات والمجموعات من الحفاظ على زخم التحرك بمطالب واضحة وأهداف وحقوق مشروعة، وعدم الوقوع في أوهام القدرة على تغيير النظام، أو التسرع في استنتاج أن السلطة أو الطبقة السياسية التي ترعاها بدأت تهتز، وبالتالي حان الوقت للإنقضاض عليها، لذا فإن الاستقطاب في الجامعات يبدو أكثر منطقية لبناء حركة شبابية ضاغطة، ترفد الحراك بزخم المطالب والحقوق، وإن كان في النهاية سيحمل خيارات سياسية، طالما أن من يتوجه اليه هو السلطة السياسية وليس جمعية خيرية. وكي لا يتوه الحراك الشبابي نحو قضايا جانبية أو ثانوية، وإن كان محقاً في طرحها، على ما شهدنا في الروشة والواجهة البحرية، الى اعتصام الشباب عن الطعام المطالبين باستقالة وزير البيئة محمد المشنوق، وكي لا تبقى المواقف في دائرة الرفض لكل شيء، فإن التركيز ينبغي أن يصب في اتجاه واحد، أي على ملف رئيسي منه تتفرع كل الملفات الثانوية الأخرى، وتفكيكه أو تحقيق انجازات في شأنه هو الكفيل بتدحرج كرة الثلج على كل الملفات الأخرى، لكن من دون أوهام أنه يمكن تحقيق انجازات ونيل مطالب وإسقاط وزراء، فهذا يحصل بالبناء والتراكم والنفس الطويل، وسياسة “خذ وطالب” الى ان يحين الوقت لتتمكن الحملات الشبابية من تشكيل قوة ضغط وكتلة قادرة على التغيير.
سيبقى الحراك نابضاً اذا سلط الضوء وتحرك ضد “منظومة الفساد” ومحاصصاته. هنا يمكن الاستقطاب والضغط لتفكيك الملفات الأخرى. فهذه المنظومة تركت بصماتها في النفايات، وهي أيضا في الكهرباء وفي التربية وغيرهما. لكن الأهم وعي أن منظومة الفساد لها ائتلافاتها وأقطابها وحاشيتها والمشايعون والأتباع، ولديها جماعاتها المستنفرة طائفياً وهي بالتأكيد مشلولة العصب اجتماعياً وغير قادرة على الاعتراض، وهي مستعدة للدفاع عن مصالحها، وهذا يعني أن المعركة ضد الفساد طويلة، ومعركة الحراك أيضاً، لأنه يواجه النظام السياسي الذي أنتج الفساد، ويعيد إنتاجه!