IMLebanon

شبابُ الثورة إذ يبنون لبنانَ الجديد

 

مسارات الأمور تُنبئ بمتغيرات قريبة.. وفوز المستقلّين في «الأميركية» مؤشّر لمزاج عام

 

 

لم يكن فوز الطلاب المستقلّين في الجامعة الأميركية في بيروت أول انتصار للبنان الجديد ولروح الثورة على الطبقة السياسية والأحزاب التي التهمت الحياة الجامعية والنقابية وكل ما طالته يدها وعينها التي لا تشبع، وأوصلت هذا البلد إلى الحضيض… لم يكن أول انتصار، ولن يكون.

 

سبق ذلك منذ أمسية 17 تشرين 2019 التي قلبت الموازين، نقاط عدّة، ناصعة، لا يمكن وضعها إلا في خانة الإنجازات التي راكمتها الثورة كإستقالة الحكومة، ومنع جلسات لمجلس النواب، ومنع تواجد السياسيين في الأمكنة العامة، وكسر الهيبة المزيفة التي كان هؤلاء يحيطون أنفسهم بها، ودفع دول العالم إلى عدم الثقة بالحكم من خلال تحويل إرسال المساعدات الإنسانية أو الأموال إلى الشعب والمجتمع المدني وليس إلى السلطة المتورطة والمجرمة، وصولاً إلى لوائح العقوبات التي باتت سوطا يَجلد الطبقة التي نهبت المجال العام كله من دون خجل أو ضمير… عرّت الثورة أركان المنظومة وحواشيهم من كل ورقة تين كانوا يختبئون خلفها، وأجبرت العالم على التعاطي معهم كمافيا خطفت البلد وحوّلته الى دولة مارقة.

 

دفعت الثورة العالم، مرغماً ربما، لإدراك أنه يغطي ويتعامل مع منظومة فاشلة، لا خبرة لها إلا في أمر واحد، هو نهبُ المال العام بِحِرَفيَةٍ وإتقان، تمكنت – بتميّز شديد – من إفلاس البلد، وسرقة المال العام، والودائع المصرفية الخاصة، وتفريغ الإدارة، وإفساد المؤسسات بعد ملئها بالمحاسيب والأزلام. منظومة اغتنت من وراء الصفقات والسمسرات والعقود الحكومية الفاسدة، وعزلت لبنان وكشفته على كل أنواع العقوبات، وجعلت الشعب يدفع ثمن الخيارات الاستراتيجية القاتلة، وهي لا تتورّع عن اتخاذ هذا الشعب رهينة لبقاء وجودها. أفشلت مساعي الإنقاذ ومبادرات الحل، وهي – فوق ذلك – مستعدة للمقامرة بالاستقرار والسلم الأهلي متى شعرت أنها في موقع الحشرة.

 

عالم يتغير بسرعة

 

مؤسفٌ أن الثمن الذي دفعه اللبنانيون حتى الآن، وخصوصا في الرابع من آب الماضي، كبيرٌ جداً، ومؤسفٌ أنّ الثورة لم تخطو خطوات جدية في الانتقال باعتراضها من التحرك الشعبي إلى الاعتراض السياسي المُمَأسس، ولم تقدم خطّة تفيصيلية لإدارة هذا الانتقال.. وصحيح أن المنظومة ما تزال تمسك بالسلطة، وبالدولة العميقة، وبالأجهزة والسلطات، وبالخدمات والمنافع، والتقديمات والمساعدات.. لكن الصحيح أيضاً أنّ ذلك لن يدوم طويلاً، فبعد 17 تشرين غيرت أموراً كثيرة، وصعبٌ جداً أن يعود الزمن الى الوراء.

 

في الطريق إلى التغيير المنشود، ثمة ضرورة للالتقاط اللحظة والإفادة منها، فثمة شيء يجري في الإقليم الأوسع، ولبنان جزء بسيط من مشهده العام.. لم تكن الانتخابات الأميركية استحقاقاً داخلياً للامبراطورية العالمية فحسب، يبدو أنها مؤشر لمتغيرات كثيرة ستحصل تباعا.. الاندفاعة المستعجلة من بعض الدول العربية نحو السلام مع اسرائيل، يقابلها غزل أميركي – إيراني، ليست تل أبيب بعيدة عنه. تقديم طهران رأس قيادي من «القاعدة» على أيدي الموساد بدا وكأنه برقية تهنئة خاصة لجو بايدن، لكن على طريقة الملالي! هل كان تحييد سليماني مقدمة لتغيير آت؟ وهل التضييق الروسي على إيران وأذرعها في الساحة السورية من ضمن هذه المؤشرات؟ وهل من مفاجآت قد تشهدها سوريا قبل انتخابات ٢٠٢١؟ وهل ترسيم حدود لبنان البحرية من ضمن مسار أكبر وأشمل؟

 

الثورة وخلق المبادرة

 

عاجلاً أم آجلاً ستتكشّف الصورة، وفي الطريق إلى ذلك على الثورة، في لبنان من دون تباطؤ، العمل على مسارات وخطوط متوازية، ولا يجوز الآن وأكثر من أي وقت مضى، أن تظهر وكأنها مربكة ومهزومة، وعليها التركيز على:

 

– الاستمرار بالضغط على السلطة، وتعريتها، ليس بإعلان رفض الفراغ المسموم فقط، بل استكمال تحضير ملفات توثيقية، قانونية، حقوقيّة، إداريّة وماليّة تفضح فساد وجرائم المنظومة السلطويّة (والمتعاملين معها)، لمقاضاتهم، ومن المهم إعطاء هذا الموضوع أهمية خاصة، وحسناً فعلت نقابة المحامين بتقديم إدعاء بفاجعة 4 آب.. وعلى هذا المنوال يمكن السير في الأمور المالية وغيرها.

 

– السعي قدر الإمكان، من دون جلد للذات أو المبالغة بالأحلام، لتوحيد صفوف الثورة، مع عدم اعتبار الأمر – إن لم يحصل لأي سبب وفق التصورات الإيجابية المطروحة – نهاية للكون وقتلاً لنضالات الثوّار، فالمدافع عن الحق والسيادة والاستقلال وإنقاذ لبنان هو أمةٌ بحدّ ذاته ولو كان واحداً.. فما القول والمخلصون كثر، والمتواضعون كثر، والحريصون مع مبادراتهم كثر، وغير المتورّمين بالأوهام والأنانيات كثرٌ جداً؟

 

– مخاطبة العالمين، العربي والأسرة الدولية، لحشد التأييد للمضيّ حتى النهاية بمعركة محاسبة خاطفي لبنان، واستعادة الشرعية وإنقاذ رسالة لبنان، من دون التوقّف عند تعثّر هنا، وحركة موفد هناك، أو نتائج انتخابات أو طاولة مفاوضات سرية… نحن نتحدث عن مصير وطن وشعب ورسالة، وهذه المعركة لا يخوضها إلا المخلصون والكبار والمتعالون عن الحسابات الشخصيّة والأنانيات الضيقة.

 

على العالم الحرّ، الشقيق والصديق والمحبّ للبنان، التوقف عن انتهاج سلوك المتفرّج على هذا البلد يتلاشى، وشعبه يهاجر أو يجوع، ودولته تفلس وتفشل وتَمرُق… والكفّ أيضاً عن منح المنظومة المتحكّمة هدايا مجانية تتيح لها إعادة إنتاج نفسها، لتعود وتمعن بقتل الشعب!! إذ لا يعقل بأي شكل من الأشكال المهزلة التي تجري في موضوع تشكيل الحكومة. الفراغ جريمة، والاستمرار به جريمة، وإستغلاله لإنتاج ذات التجربة الفاشلة جريمة أيضاً. المهم أن يتكامل المعطى الداخلي اللبناني مع المتغيرات الحاصلة، وأن لا تحصل أي تسوية على حساب اللبنانيين وسيادة بلدهم ودولتهم المنهارة، ولا يجوز أكثر السماح للمنظومة بإعادة انتاج نفسه.

 

شباب لبنان قادرون على التغيير، كما فعلوا في الجامعة الأميركية وفي سواها من الجامعات، وفي ساحات لبنان، وفي مرج بسري، وفي كل مكان.. لأنهم نبض الصورة وروح الثورة.