هاجم الأسبوع الماضي مسلحون ينتمون إلى حركة «الشباب» الصومالية معسكراً للفرقة الإثيوبية العاملة ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي (أميصوم). وأعلنوا أنهم قتلوا أكثر من أربعين جندياً من عناصرها، بينما ادّعت البعثة أنها قتلت أكثر من مئة مسلح.
وأكد شهود أن الهجوم بدأ عندما فجّر أحد مقاتلي «الشباب» نفسه في سيارة مفخخة دمرت مدخل القاعدة العسكرية، بحيث تمكن رفاقه من الدخول لارتكاب المجزرة.
وتتألف بعثة الاتحاد الأفريقي من قوات دول أفريقية عدة تدعم الحكومة الصومالية في قتالها ضد حركة «الشباب» المرتبطة بتنظيمات خارجية مثل «القاعدة» و «داعش».
ومع أن هذه الحركة شنت سلسلة هجمات كبيرة ضد قواعد بعثة الاتحاد في الصومال، إلا أنها المرة الأولى التي تستهدف قاعدة للجيش الإثيوبي، كونها تمثل أقوى القوات وأكثرها عدداً.
وتردد في مقديشو أن توقيت هذا الهجوم مرتبط بالحصار العسكري الذي تتعرض له الفلوجة العراقية، وأن الغاية منه تحويل اهتمام العالم عن «داعش» وتخفيف الضغوط عنه في العراق وسورية.
ويؤكد المطلعون على تاريخ التنظيمَيْن أن هناك تنسيقاً أمنياً بينهما، يتمثل في التعاون العسكري المتواصل بين أخطر حركتين عرفهما الشرق الأوسط والقارة الأفريقية.
صحيح أن «بوكو حرام» النيجيرية لا تقلّ قوة وانتشاراً عن تنظيم «شباب» الصومال… ولكن الصحيح أيضاً أن الدول الكبرى – خصوصاً الولايات المتحدة – تولي أهمية خاصة للميليشيات المسلحة التابعة للصومال. والسبب أن مروحيتين أميركيتين من طراز «بلاك هوك» كانتا في مهمة لضرب ميليشيا محمد فرح عيديد عندما أسقِطتا بصاروخ في شهر تشرين الأول (اكتوبر) 1993. وقُتِل في ذلك الحادث 18 جندياً اميركياً، في حين وقع أسير في أيدي المتمردين. والتقطت إحدى محطات التلفزيون مشاهد مرعبة للأسير الذي جرّه المنتقمون من أتباع عيديد، وراحوا يرجمونه بالحجارة حتى الموت.
سنة 2001 أخرجت هوليوود فيلماً عن هذه الحادثة، تحت عنوان: «إسقاط بلاك هوك». وكان من نتائج ردود فعله أن أعادت الإدارة الاميركية النظر في عمليات تدخلها في دول العالم الثالث. ومن رحم تلك الحادثة، وُلِدَت «حركة الشباب الصومالية».
ويمثل الخط الساحلي، الممتد من مدينة مومباسا الكينية الى مقديشو، أحد أهم الخطوط الاستراتيجية التي تعمل حركة «الشباب» المتشددة للسيطرة عليها. وغايتها من ذلك الاستيلاء على المناطق الساحلية التي تربط الصومال وكينيا. وهي سواحل تمتد على طول مئة كلم، مع موانئ استراتيجية مطلة على المحيط الهندي، وقريبة من مضيق باب المندب، أي المضيق الذي تزداد أهميته لدى الدول المنتشرة حوله، مثل اليمن والسعودية ومصر.
والثابت في الصومال أن سلاح الإرهابيين يفوق قدرات الجيش النظامي، خصوصاً بعدما قرر مجلس الأمن منع تصدير السلاح الثقيل والمعقد الى ترسانات الدولة. وحجّته أن صفقات السلاح السابقة ذهبت الى أيدي الثوار وجماعة «القاعدة». لذلك اقترح مجلس الأمن إنشاء قوة حفط سلام أفريقية مؤلفة من حوالى 30 ألف جندي تعمل على نشر الأمن والاستقرار.
ويبدو أن قيادة تنظيم «داعش» استطاعت أن تقنع قيادة «الشباب» بالانضواء تحت مظلتها، مستعينة بعامل الأكثرية السنّية. وهذا ما دفع أيضاً تركيا الى اختيار الصومال مدخلاً الى القارة الأفريقية. وقد حصلت على حق توسيع مطار مقديشو، الأمر الذي سهَّل لها الحصول على مشاريع أخرى.
مطلع هذه السنة، قررت حكومة كينيا إغلاق مخيمات اللاجئين، بما فيها أكبرها وأكثرها اكتظاظاً مخيم «داداب» الذي يضم 600 ألف لاجئ صومالي. وأوحت الدولة في قرارها الى الأسباب التي دفعتها الى اتخاذ مثل هذه الخطوة، بعدما أصدرت بيانات للرأي العام تظهر فيها حجم الأعباء المادية التي تتحملها، إضافة الى النتائج المضرة بالصحة العامة، والمتعلقة بتلوث البيئة. وذكرت من جملة الأسباب استغلال حركة «الشباب» لسكان المخيم بحيث إنها تستخدم بعضهم للقيام بعميات إرهابية داخل الأراضي الكينية.
والمعروف أن مخيم «داداب» أنشئ سنة 1992، أي بعد نزوح تسعين ألف لاجئ صومالي الى شمال كينيا هرباً من طغيان المسلحين. وتنفق كينيا على سكان المخيم حوالى 30 مليون دولار سنوياً. وبما أن الحكومة الكينية لا تسمح للاجئين بالعمل خارج المخيم، فإن عدداً كبيراً من شبان كينيا يهتم بإدارة أجهزة المراقبة وتحصيل أثمان المبيعات من الدكاكين التجارية.
ومن المؤكد أن حكومة الصومال ستحاول إقناع كينيا بضرورة تأجيل تدفق هذه الأعداد الكبيرة، خصوصاً بعدما تبيَّن لها أن عناصر تابعة لحركة «الشباب» مزروعة بين سكان المخيم.
قبل أن تتفق الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على تبني حركة العصيان ضد الرئيس الجنرال محمد سياد بري، وتشجع المعارضة على إسقاطه سنة 1991، أجريتُ معه سلسلة لقاءات في القصر الجمهوري وسط مقديشو.
وأخبرني، بحضور نائبه ووزير دفاعه محمد علي سمنتو، أن الصومال هي الدولة الوحيدة في الجامعة العربية التي خاضت حرباً، وربحتها. ثم أشار الى وزير الدفاع، وأكمل: لقد نجح سمنتو في حماية حقول اليورانيوم في أوغادين التي يعتبرها الخبراء أهم منطقة غنية بهذه المادة التي تتنافس الدول الكبرى على امتلاكها.
ثم جاءت الأحداث بعد مرور ربع قرن تقريباً على تحذير سياد بري، لتؤكد أن اهتمام الصين بمستقبل القارة السوداء ناتج من معلومات دقيقة حول الثروات المعدنية المكتشَفَة في تلك البلدان.
وعندما نصحت الولايات المتحدة حليفتها فرنسا بعدم التورط في شمال مالي سنة 2013، أبلغتها أن الخوف من وقوع حقول اليورانيوم بين أيدي تنظيم «داعش» هو السبب في ذلك التدخل العسكري.
والثابت أن دولاً مثل مالي والنيجر وموريتانيا، تشكِّل مصدراً سخياً لاستيراد معظم كميات اليورانيوم التي تغذي حوالى أربعمئة مفاعل للطاقة النووية حول العالم.
كتبت صحيفة «الموند» الفرنسية تحقيقاً قالت فيه أن تركيز القلق الفرنسي محصور بإنتاج اليورانيوم في شمال أفريقيا. وهو ينافس الصين في الحصول على إجازات حقوق التنقيب لمستثمرين. ومن هذه الثغرة دخل المتمردون الطوارق ليوقعوا اتفاقاً مع حكومة النيجر بوقف القتال وإعادة الموظفين المختَطـَفين، مقابل الحصول على 15 في المئة من عائدات عمليات تعدين اليورانيوم.
كتب الأسبوع الماضي في مجلة «العالم اليوم» ميشال كيتنغ، رئيس بعثة الأمم المتحدة في الصومال، مقالة ذكر فيها أن المنظمة العالمية تسعى الى إقناع المسؤولين بأهمية إنشاء نظام فيديرالي يمكن أن يحل مشكلة السلطة بين مقديشو والمحافظات البعيدة. وقال أن الأحوال الأمنية المتردية تحول دون إجراء انتخابات نيابية نزيهة في مواعيدها. ولكن رئيس الحكومة محمد عثمان الجواري عازم على بناء مؤسسات الدولة، ووضع قانون انتخابي يمهد لانتخابات عامة سنة 2020.
ويتوقع ميشال كيتنغ أن تكون لجنة الخبراء والمستشارين قد انتهت من صوغ الدستور الجديد، على أن يُعرَض بعد ذلك على رئيس الحكومة والوزراء وحكّام الولايات للموافقة.
ومع أن أكثرية زعماء العشائر تميل الى اعتماد النظام الفيديرالي، إلا أن الخلاف الحقيقي ينحصر في اختيار طبيعة النظام. أي هل هو نظام رئاسي مثل الولايات المتحدة، أم هو نظام مختلط تُعطى الصلاحيات فيه الى رئيسَي الجمهورية والحكومة بالتساوي.
يبقى السؤال المتعلق بمستقبل هذا البلد الذي ينزف منذ ربع قرن. والجواب عنه يكمن في مستقبل «داعش»، على اعتبار أن حركة «الشباب»، التي كانت تنتمي الى «القاعدة»، نقلت أجهزتها الأمنية الى التنظيم. كما نقلت قيادة المقاتلين الذين يُقدَّر عددهم بثمانية آلاف إرهابي، الى جناح «شبابي» مرتبط بـ «داعش».
من هنا القول إن الانتصارات العسكرية التي تتحقق ضد تنظيم «داعش» في العراق وسورية ستضعف بطبيعة الحال كل الأجنحة المرتبطة بالقيادة المركزية، لا فرق أكانت في الصومال وليبيا… أم في اليمن ونيجيريا.
ويرى المراقبون أن هذه النهاية لن تبصر النور، إلا بعدما تتفق روسيا والولايات المتحدة على صيغة النظام الذي سيخلف «داعش» في العراق وسورية. ومثل هذه التوقعات قد تمتد الى ما بعد انتخابات الرئاسة في أميركا…