Site icon IMLebanon

اللاجئون السوريّون وحسابات الكيانية اللبنانية العدائية

 

أحياناً كثيرة من الأفضل مواجهة المنطق العنصري العاري على مواجهة المنطق العنصري المغلّف. المنطق العنصري العاري في المسألة الديموغرافية السورية المطروحة على اللبنانيين اليوم يقول بأن الكيانية الوطنية اللبنانية مهدّدة من قبل هذا العدد الكثيف من اللاجئين السوريين، كما يقول، لهواة الجدل، بأننا أمام فرصة تاريخية لإحياء الروح الوطنية اللبنانية بعد الانقسام حول الفلسطينيين، والانقسام حول الموقف من الوصاية السورية وما بعدها، والانقسام حول «حزب الله»، وأنّ إحياء هذه الروح الكيانية يكون بالاستهداف العدائي للعدد الديموغرافي السوري في لبنان. أما هواة الذرائعية فيضيفون مشهد «الحرب على الإرهاب – الحرب الكونية على داعش» من حيث توفّر اليوم الغطاء الأمثل لهذه المقاصد الوطنية الكيانية «الشريفة».

هذا هو المنطق العنصري العاري إذا ما افترضنا في أصحابه القدرة على عقلنة منطوقهم وتنظيمه منهجياً وجدلياً، وهو ما يصعب على أكثرهم، لأنّ مقتل المنطق العنصري بتنظيم نفسه منهجياً، وحياته وصخبه وخطورته بالانفعالية الموتورة والبذيئة. أما المنطق العنصري المغلّف فهو ذاك الذي يفتعل دراما «مناجاتية» بين «كائن سوري» و«كائن لبناني»، وهذه دراما قد تتخذ، بموجب هذا المنطق، أسلوباً جديداً لكل مرحلة، لكن مبدأها يبقى هو مبدأ التنافر بين كيانية لبنانية، أكثر تكيّفاً مع الحداثة، وبين كيانية سوريّة تمانع الحداثة، وذلك قبل ظهور «معسكر الممانعة» بعقود. طبعاً، ثمة في المقلب السوري ما يعادل هذه الدراما، فتمسي بين «أصيل» و«هجين»، وبين «مركز» و«طرف».

يبقى أن المنطق العنصري العاري لديه فعلاً أطروحة يقدّمها: تمكين الكيانية الوطنية اللبنانية رهن بالعدائية تجاه الوجود الديموغرافي السوري. وهنا أيضاً ثمة نقطة يعيها، خلسة وباضطراب، أهل المنطق العنصري الفجّ أكثر من زملائهم أهل الرياء: هم يدركون أن الوجود الديموغرافي السوري بهذه النسبة المرتفعة ليست مسألة سنة أو سنتين، وبأنه لا توجد في التاريخ مجتمعات نزفت بهذا الكم ديموغرافياً ثم عاد إليها جميع أبنائها.

لكن هذا الطابع المزمن للمسألة الديموغرافية السورية في لبنان هو حجّة على العنصريين: هكذا طابع مزمن يجعل من الصراع صراعاً أهلياً، صراعاً يمر بالأهالي. من هنا، تظهر مفارقة العنصريين اللبنانيين في الموضوع السوري في أنهم يطمسون أخطر ما في هذا الموضوع: إن الوجود الديموغرافي السوري، على خلفية التهجير والنزوح في سياق قمع الثورة وانتشار الحرب الأهلية وتحلل المجتمع السوري، إنما يحمل بالفعل مواد اشتعال إضافية إلى الداخل اللبناني، وهو داخل لا تنقصه مثل هذه المواد، لكن التوهّم بأنه في وضع مركّب كهذا يمكن إحياء الكيانية اللبنانية على أساس التوحّد ضد اللاجئين السوريين، وعلى أساس خلط هذا الموضوع مع الحرب على الإرهاب، هو أقصر الطرق لتوسيع الحريق العراقي السوري إلى لبنان.

عدد السوريين اللاجئين الى لبنان كبير وهذا أمر خطير. لكن وجه الخطر أنّ العنصرية مقنّعة أو مستورة في مواجهته هي التي سترفع من العوائق الحائلة دون معالجة لبنانية منهجية وصبورة لموضوع مزمن، ولا أحد بمستطاعه القول إن مرحلة إعادة إعمار سوريا ستبدأ غداً، ولبنان نفسه لم يتجاوز بعد مرحلة إعادة الإعمار.

في كل قضايا اللاجئين والتجمعات المهاجرة في العالم، ثمّة إشكال ديموغرافي معطوف على إشكال أمني متفاوت، ولا يمكن توهّم فرادة لبنانية في هذا الإطار. فتنظيم اللجوء لا يكون بمنع اللاجئين من تنظيم أنفسهم، بل العكس تماماً. وهذا بيت القصيد اليوم، كيف ينظّم اللاجئون السوريون في لبنان أنفسهم، في كنف الدولة اللبنانية وبالاحتكام إلى قوانينها، وليس بالاحتكام إلى أي دولة أخرى، بما فيها الدولة السورية. لا يمكن تنظيم تجمع للاجئين من خارجه، لا بالقوة ولا بغير القوة. لا تنظيم إلا انطلاقاً منه. كل ما عدا ذلك يتناسى أن العنصرية قد تكون مجدية عندما يتعلّق الأمر بمجموعة قليلة العدد، لكن عنصرية تبدر في بلد متعدد طائفياً كلبنان، ضد هذا الكم من السوريين اللاجئين إليه، هي عنصرية لا تفقه إلا تحقيق ما يقض مضجع أربابها من كوابيس، وحينها ستجد متعة في أن تمتدح طابعها الاستشرافي، إنّما بعد أن يمتد الحريق إلى لبنان، وكل حريق حين يمتد يفرز موجات من اللاجئين.