IMLebanon

يوسف الأوّل بطريركاً… هل يضرِب بعصاه؟

دخلت بطريركيةُ الروم المَلكيين الكاثوليك مرحلةً جديدة في تاريخها بعد انتخاب النائب البطريركي في دمشق المطران جوزف العبسي بطريركاً جديداً تمتدّ سلطته على أنطاكيا وأورشليم والإسكندريّة وسائر المشرق، فاختار اسمَ يوسف الأوّل.

يُعتبر 21 حزيران، عيد الأب، أطول نهار في السنة، ففي هذا اليوم تنعم الأرض بنور الشمس والضوء لمدّة طويلة، فيما تنخفض مدّةُ الليل والظلام، وفي هذا اليوم أيضاً اختار سينودس المَلكيين الكاثوليك أن يتصاعد الدخانُ الأبيض مبشّراً بإنتخاب البطريرك وبزوغ فجرٍ جديد في تاريخ البطريركيّة.

لم يستطع المطارنةُ الذين اجتمعوا في المقرّ الصيفي للبطريركية في عين تريز الإنتظار أطول مع أنّ المهلة المحدّدة تنتهي غداً. قد يكون المشوار الى المقرّ الصيفي بعيداً، لكنّ جمال الطبيعة ونقاوة السماء يمنحان المطارنة صفاءً ذهنياً أكبر يستطيعون من خلاله أن يمارسوا مسؤولية الإنتخاب الصحيح.

لا يختلف إثنان على أنّ المهمات الملقاة على عاتق البطريرك الجديد ثقيلة، وقد يكون إنتخابُه في عين تريز التي تبعد عن مدينة عاليه نحو 20 دقيقة يُذكّرُ البعض بما عاناه المسيحيون في لبنان والشرق، فمقرُّ البطريركية في الربوة حديث العهد، وقد إضطّروا الى بنائه بعد موجات تهجير المسيحيين من الجبل ونهْب البطريركية، وبات مقرّاً شتوياً، أما الآن، فلبنان ينعم بالإستقرار فيما يُهجَّر مسيحيو الشرق ويُقتلعون من أرضهم.

على رغم أنّ إسمَ المطران العبسي كان مطروحاً منذ البداية على انّه الأوفر حظّاً، إلاّ أنّ بعض المطارنة، خصوصاً اللبنانيين منهم حاولوا كسرَ العرف والإتيان ببطريرك لبناني.

دورات الإنتخاب

عُقِدت دوراتُ الإنتخاب منذ الإثنين الماضي. وفي التفاصيل، أنّ الهيئة الناخبة تتألّف من 29 صوتاً، وقد حصلت الدورةُ الإنتخابية الأولى يوم الإثنين وأتت النتيجة على الشكل الآتي: العبسي 15 صوتاً، راعي أبرشية زحلة والفرزل عصام درويش 6 أصوات، فيما توزّعت بقية الأصوات على عدد من المطارنة أبرزهم راعي أبرشية حيفا والجليل المطران اللبناني جورج بقعوني.

ويوم الثلثاء عُقدت دورةُ إنتخاب قبل الظهر، فحصل العبسي على 15 صوتاً، درويش 8، بقعوني 3 أصوات، وتوزّعت بقية الأصوات على مطارنةٍ آخرين، قبل أن تُجرى عمليةُ إنتخاب ثالثة بعد الظهر وتنتهي بالنتيجة نفسها.

أما أمس، فقد شهد الدورة الحاسمة قبل الظهر، حيث أتت النتيجة وفق الآتي: 20 صوتاً للعبسي، 6 أصوات لدرويش، 2 لبقعوني وورقة بيضاء. فتصاعد الدخان الأبيض معلِناً إنتخابَ العبسي.

وعلمت «الجمهورية» أنّ عدداً من المطارنة اللبنانيين حاول التركيز بدايةً على بقعوني، لكنه لم يوفّق بنيل الغالبية، فكان العبسي دائماً في الطليعة، وبعد دوراتٍ عدّة أخذ الغالبية المطلوبة ففاز، واليوم سينتخب السينودس الدائم الذي يضم 4 مطارنة يشكلون هيئة طوارئ لأنّ البطريرك لا يمكن أن يجمع دائماً السينودس، والمعلوم أن لا تقسيمَ جغرافياً للسينودس الدائم، فقد يأتي جميع المطارنة من بلد واحد أو قد يتوزّعون على بلدان عدة، وهم يساعدون البطريرك في الإدارة.

عمّت الفرحةُ دير عين تريز، فجميع المطارنة كانوا يقولون إنّ ما حصل يؤكّد أنّ الإنقسام الذي عاشته بطريركيتنا قد إنتهى الى غير رجعة، خصوصاً أنّ البعض كان يراهن على ألّا يحصل أحد على الغالبية المطلوبة، لكنّ العبسي الذي يحمل الجنسية اللبنانية أيضاً، وتعلّم في كسروان، سرعان ما جمع المطارنة فور إنتخابه في حضور السفير البابوي غبريال كاتشيا.

البطريرك الهادئ

علاماتُ التعب ظهرت واضحة على وجه البطريرك لحظة التقيناه في الصالون الكبير، حيث بادر بالترحيب وهو المطّلع على كل التفاصيل. وعلى رغم أنّ هاتفه لم يهدأ متلقّياً التهاني بإنتخابه، فقد فضّل عدمَ الكلام في السياسة وشؤون الرعية يوم إنتخابه، خصوصاً أنه لا يحبّ الإرتجال بل يفكّر بكلماته جيداً قبل إطلاق المواقف لأنّ المرحلة لا تتحمّل أيّ أخطاء.

يفتخر العبسي بأنّه يحمل الجنسية اللبنانية، وعندما سألناه هل يشكّل إنتخابُه تسويةً بين المطارنة اللبنانيين والسوريين، أجاب ممازحاً: «لستُ مع منطق التسويات»، قبل أن يضحك ويسأل هل بدأت المقابلة؟ ليجيب «اليوم لا أحاديث ربما غداً أو بعده».

بين الإجابة على الهاتف وإستقبال المهنّئين ومتابعة ترتيبات ما بعد الإنتخاب، يؤكّد العبسي أنّه سيبقى في لبنان لمدّة ولن يغيب عن هذا البلد طويلاً.

إنقضى اليوم الأول من الإنتخاب بالتهاني والصلاة، وبدأ التفكيرُ الجدّي بالغد، فالبطريرك الجديد يعلم أنّ سلطته تمتدّ على أنطاكيا وسائر المشرق، لكنه في المقابل يدرك أنّ هذه المنطقة باتت شبهَ فارغة من المسيحيين، حتّى إنّ البيوت الممتدّة على الطريق من عين تريز الى عاليه شبهُ مهجورة بدورها وخاليةٌ من المسيحيين، وهذه المنطقة هي في قلب جبل لبنان الذي يُعتبر العامودَ الفقري لمسيحيّي الشرق، فكيف الحال بالنسبة الى سوريا والعراق، وبقية البلدان.

لذلك فإنّ العمل المطلوب من جميع البطاركة وليس بطريرك الكاثوليك أن يضرِبوا بعصاهم للحفاظ على المسيحيين ووقف هجرتهم وإلّا يصبحون فعلاً بطاركة على أنطاكيا الخالية من المسيحيين حالياً… أي بطاركة بلا مسيحيّين.

السيرة الذاتية

المطران العبسي من مواليد دمشق في 20/6/1946، تابع دراساته في جمعيّة مرسلي القديس بولس (الآباء البولسيين) حيث سيمَ كاهناً في 6/5/1973 بوضع يد البطريرك مكسيموس الخامس.

بعد تولّيه عدة وظائف رعوية، والتعليم، لا سيما في مجال الموسيقى الليتورجية، انتُخب رئيساً عاماً للجمعية في 13/7/1999. وانتُخب أسقفاً في الدائرة البطريركية كنائب بطريركي ورئيس أساقفة طرسوس شرفاً من السينودس في 22/6/2001. نال السيامة الأسقفية من البطريرك غريغوريوس الثالث بمعاونة المطران يوحنا منصور والمتروبوليت جوزيف كلّاس في كنيسة القديس بولس في حريصا في 2/9/2001. عُيّن نائباً بطريركياً في دمشق في 13/10/2006.

يستقبل البطريرك الجديد المهنّئين في المقرّ البطريركي في الربوة يومَي الجمعة والسبت 23 و24 حزيران من العاشرة إلى الأولى بعد الظهر، ومن الساعة الرابعة إلى السابعة مساءً.