Site icon IMLebanon

الزبداني في قبضة «حزب الله» قريباً.. والمسلحون يعرضون الاستسلام

«صفقة المقايضة» أمام فرصة أخيرة

الزبداني في قبضة «حزب الله» قريباً.. والمسلحون يعرضون الاستسلام

بدأ العد التنازلي للسقوط النهائي لمدينة الزبداني. في وقت لم يعد بعيدا، سيعلن «حزب الله» والجيش السوري الزبداني منطقة آمنة وخالية من المجموعات التكفيرية.

بعد سقوط الهدنة، مطلع الاسبوع الجاري، شهد ميدان الزبداني تزخيما للعمليات العسكرية من قبل «حزب الله» والجيش السوري. تقدّم الحزب في الميدان، بوتيرة أسرع بكثير مما كان عليه منذ بدء المعركة مطلع تموز الماضي، حتى ضاقت المساحة المتبقية لتمركز مسلحي المجموعات التكفيرية الى حد باتت تقاس بالامتار، وضاقت معها خيارات هؤلاء المسلحين: اما الاستسلام، أو الاستمرار في القتال وبالتالي القتل.

بعد سقوط الهدنة، تشي الوقائع الميدانية بأن «حزب الله» (والجيش السوري)، قد اتخذ القرار بالحسم النهائي، وبدأ يعتمد نمطًا جديدًا على ارض المعركة. حشر المسلحين في مربع ضيّق جدا، وجعلهم يطلقون الصرخة من جديد ويطرحون العودة الى المفاوضات، وجعلت الوسطاء يتحركون مجددا وعلى عجل رافعين شعار: الى الصفقة در!

إذاً، عاد الكلام مجددا الى الطاولة، وبدأت خيوط الصفقة تنسج من جديد، وعلى اساس الوقائع العسكرية والتبدلات الميدانية.

لكن، ما الذي حصل الاسبوع الماضي؟ وما الذي عطل صفقة الزبداني بعدما كانت قاب قوسين او ادنى من ان ترسو على اتفاق يطوي الصفحة القتالية من الزبداني الى الفوعة وكفريا؟

مع اعلان هدنة الـ48 ساعة قبل نهاية الاسبوع الماضي، بدأ مقاتلو «حزب الله»، والجيش السوري، وفي المقابل مسلحو المجموعات التكفيرية، يتنفسون الصعداء لقرب انتهاء المعركة، وبدأت الاستعدادات على الارض لترجمة صفقة وقف اطلاق النار و «المقايضة» ما بين الزبداني والفوعة وكفريا. وبرعاية ايرانية ـ تركية. ولكن فجأة انهار كل شيء، وعادت لغة النار لتسود وحدها في الميدان.

ولكن لماذا؟

«لأن الفريق الآخر يدار برهانات خاسرة من قبل عقل صحراوي تكفيري انفعالي»، يقول احد القياديين الميدانيين في الزبداني، قبل ان يعرض الشريط الآتي:

ـ في بداية المعركة، راهن المسلحون التكفيريون على انهم في الزبداني اقوى من ان يفكر «حزب الله» والجيش السوري بقتالهم في هذه المدينة المتحصنين فيها، لكنهم فوجئوا ان الحزب صار قريبا جدا من الزبداني.

ـ في ممهدات معركة الزبداني في حزيران الماضي، سيطر «حزب الله» على كل التلال المحيطة بها، وتم تقطيع كل الطرقات الموصلة اليها. هنا راهن المسلحون التكفيريون في الزبداني على ان حدود المعركة بالسيطرة على التلال ومحيط المدينة، اعتقدوا ان اولوية «حزب الله» هي جرود بريتال وجرود عرسال، ونظرا الى التحصينات في داخل الزبداني، والتي يستحيل اختراقها من قبل الحزب والجيش السوري، ونظرا لطبيعة المدينة التي تعطي الغلبة لمن في داخلها على من يحاول الدخول اليها، ونظرا لامتلاك المسلحين قدرة الصمود لوقت طويل وامكانية رد اي هجوم على المدينة. لكنهم فوجئوا ان الحزب بدأ باجتياح المدينة، بسلاسة.

ـ برغم سير المعارك، والغلبة التي ظهرت في البداية لمصلحة «حزب الله»، دخل المسلحون في رهان جديد قوامه ان «حزب الله» لن يستطيع ان يحسم المعركة، لكنهم فوجئوا بأن الحزب يتقدم، ونجحت سياسة القضم التي اتبعها في التضييق الكامل على المسلحين وحشرهم في مساحة ضيقة.

ـ في ظل هذا الوضع، دخل المسلحون في رهان جديد، هو ان هناك من سيضغط عسكريا على «حزب الله» والجيش السوري، ويساعد المسلحين في فك الحصار عنهم، علما انه عندما سيطر «حزب الله» على طريق «مضايا» وطريق «سرغايا» وتم عزلها عن «بقين»، شعر المسلحون بالضيق الحقيقي، فاستنجدوا بزهران علوش الذي ادار لهم الاذن الطرشاء، ولم يبالِ بهم.

ـ بعدما ايقن المسلحون، (وهم في غالبيتهم من «احرار الشام»)، ان تلك الرهانات قد سقطت كلها، ارسلوا اشارات في اتجاه «حزب الله»، يبدون فيها الاستعداد للتفاوض للتوصل الى «مخرج ما». وقد اقترن هذا الطرح بابداء استعداد تلك المجموعات لوقف اطلاق النار وتسليم الزبداني، ولكن من ضمن تسوية في داخل الزبداني، تشكل المصالحة جانبا اساسيا منها. ولكن لم يكتب لهذا الطرح النجاح، وعادت جبهة الزبداني لتشتعل بالكامل.

ـ بعدما شعر المسلحون بأن الخناق يضيق عليهم، قدموا طرحا جديدا يقوم على المقايضة بين الزبداني وبين كفريا والفوعة التي يشكل «أحرار الشام» القوة الاساس في حصارهما. بعدما وصل هذا الطرح الى «حزب الله»، تلقفه ايجابا، وبدأت مفاوضات مباشرة بين وفد ايراني يمثل «حزب الله»، ووفد تركي يمثل «أحرار الشام»، وعقد الجانبان جلستي تفاوض من دون ان يصل البحث الى اية نتيجة ايجابية. وتوقفت المفاوضات عند هذا الحد. وما ساهم في هذا الفشل هو ان المسلحين اعتقدوا ان الفوعة وكفريا يشكلان نقطة ضعف عند الحزب فبدأوا باستغلال هذه النقطة، ومحاولة ابتزاز «حزب الله»، الذي خرج من هذه اللعبة الى الميدان والضغط على المسلحين.

ولكن، بعد فترة قصيرة، وجراء الضغط العسكري الشديد على المسلحين، عادت المفاوضات من جديد برعاية ايرانية وتركية، حيث تم البحث في «صفقة»، كما يلي:

ـ طرح المسلحون ان يتم اخلاؤهم من الزبداني الى درعا، لكن هذا الطرح قوبل برفض النظام السوري. تم تعديل الوجهة نحو ادلب او الى الرقة، ووافق النظام.

ـ بالتوازي يتم خروج المسلحين من الفوعة وكفريا.

ـ بالنسبة الى المدنيين، كان طرح المسلحين ان يتم اخراج المسلحين فقط من الزبداني والفوعة وكفريا، على ان يبقى المدنيون في اماكنهم. هنا رفض «حزب الله» هذا الطرح، لأن المسلحين يريدون إبقاء المدنيين هناك رهينة. وبالتالي توقف البحث في الصفقة هنا.

وعكس هذا الفشل نفسه في الميدان، وتمكن «حزب الله» في الايام التالية من قضم المزيد من الارض والتضييق اكثر على المسلحين الذين سارعوا الى ارسال اشارة بأنهم موافقون على خروج المدنيين من الفوعة وكفريا.

هنا عاد التفاوض مجددا، على مشروع صفقة تتضمن الآتي:

ـ خروج مسلحي الزبداني بالسلاح الخفيف، الى ادلب او الرقة، ما عدا المسلحين الراغبين بتسوية اوضاعهم مع النظام السوري والذين هم تحديدا مسلحو بقين ومضايا، حيث توجد عائلاتهم.

ـ خروج مسلحي الفوعة وكفريا بالسلاح الخفيف، الى حيث يريدون.

ـ ابقاء السلاح الثقيل حيث هو في الزبداني او الفوعة وكفريا. هذا الطرح لا يبدو انه متوازن، خاصة ان المسلحين في الزبداني لا يملكون اسلحة ثقيلة وفعالة ونوعية، فيما الامر يختلف في الفوعة وكفريا، لذلك الفكرة الاكثر تداولا، في حال تم الاتفاق، هي ان يتم تدمير هذا السلاح في مكانه. خاصة ان «حزب الله» يرفض بشكل قاطع أن يسلم مسلحو الفوعة وكفريا السلاح الثقيل الى المجموعات التكفيرية.

ـ يخرج مدنيو الزبداني (إن وجدوا) الى حيث يريدون.

ـ يخرج مدنيو الفوعة وكفريا كلهم وينتقلون الى منطقة القصير.

ـ تتولى الامم المتحدة عمليات النقل.

اضافة الى ما تقدم، حاول المسلحون ادراج طرح جديد، عرضه الاتراك، حيث طالبوا بأن تقترن هذه الصفقة بمبادرة النظام السوري الى الافراج عن خمسة آلاف معتقل.

اعتُبر هذا الطرح مبالغا فيه. فبادر المسلحون الى تخفيض العدد شيئا فشيئا.

ـ بدأت الامور تسلك منحى ايجابيا، وبدأ الاطراف يقتربون من الاتفاق، وهنا كان الاتفاق على هدنة الـ48 ساعة منتصف الاسبوع الماضي. وكدليل على الايجابية المتزايدة تم تمديد الهدنة مجددا، وسرت انباء عن قرب اتمام الصفقة، ولكن فجأة حدث ما لم يكن في الحسبان، وبادرت «جبهة النصرة» الى توتير الاجواء واعادة اشعال النار في الزبداني، وذلك بعدما بادرت الى قطع المياه عن دمشق من بقين، الامر الذي جعل الطيران الحربي السوري يشن غارات جوية على المسلحين في تلك المنطقة، وفرطت الهدنة، واشتعلت الزبداني.

تيقن الجميع، بمن فيهم «حزب الله»، أن ارادة تعطيل الصفقة سعودية والمنفذ «جبهة النصرة» وتحت حجة أن ما يحصل تهجير وتغيير ديموغرافي، ولكن حقيقة الامر تؤكد ان الرفض السعودي لهذه الصفقة مرده الى ان هذه الصفقة تقدم انتصارا كبيرا لـ «حزب الله» في الزبداني، وتعطي دورا مهما لتركيا، وتقدم متنفسا للنظام السوري.

ومع انفراط الهدنة، لجأ «حزب الله» الى «خطة الحسم»، والاطباق نهائيا على الزبداني، فبدأ اعتبارا من الاحد الماضي بعملية استئصال المسلحين، واقتربت هذه العملية من النهاية الوشيكة.

مع اشتداد الخناق على المسلحين، دخلوا في صدامات مع «جبهة النصرة»، وعادوا وأرسلوا قبل ساعات اشارات جديدة في اتجاه «حزب الله»، بانهم مستعدون لاستئناف المفاوضات من جديد تمهيدا لاتمام صفقة المقايضة.

الحزب يتقدم على الارض، وآخر ما وصل اليه من قبل المسلحين هو ان منهم من هو على استعداد للاستسلام وتسليم الزبداني، ولكن على قاعدة تسوية اوضاعهم، ومنهم ايضا من يطرح ضرورة التواصل مجددا مع الايرانييـن ليصار الى اخراج مسلحي ومدنيي الفوعة وكفريا، مقابل اخراج مسلحي الزبداني الى ادلب، وتسوية وضع من يريد ذلك.

يقول معنيون بميدان الزبداني ان هذه الصفقة، هي قيد البحث حاليا، ولم يتم الاتفاق عليها بعد، والواضح ان هناك سباقا بين المفاوضات التي تجري على الطاولة، وببن العمليات العسكرية المستمرة وبشراسة على الارض. واللافت ان «حزب الله»، ومنذ أن فرطت الهدنة، قرر الا يرى الا الميدان، وقد لا يكون مفاجئا إن بادر الحزب، ربما اليوم، أو خلال أيام، إلى اعلان سقوط الزبداني، والسيطرة عليها بالكامل، فيما المفاوضات ما زالت مستمرة.